هل كان دونالد ترامب يريد أن يلامس الجرح كما قد يدعي؟ أم أنها محاولة للتنصل من نفق الحماقة الرديء! في مقابلة لترامب على CNN قال “لدي عديد من الأصدقاء المسلمين فرحون جدا لإقدامي على فعل ذلك لأنهم يعلمون أن لديهم مشكلة، وقالوا إن الوقت قد حان لأن يتحدث أحد عن التطرف”. أثار ترامب عاصفة من الجدل والنقد بسبب دعوته لمنع المسلمين من دخول أمريكا. حتى أن قادة الحزب الجمهوري أنفسهم اجتمعوا بعدها على مأدبة عشاء خاصة لنقاش خطة للتوافق على مرشح بديل، ومنع ترامب من الحصول على الترشح. العاصفة شملت أيضا تعليقا من البنتاجون بأن “خطاب ترامب المعادي للإسلام يقوض الأمن القومي الأمريكي، ويعزز من قدرات تنظيم داعش، ويقوض الجهود الأمريكية في التصدي للأيديولوجيات المتطرفة”. جوقة منتقدي ترامب ضمت أيضا جون كيري، سياسيين، فنانين، رجال أعمال.. وغيرهم.
لا شك أن شخصية ترامب فانتازية عبثية. فترامب لم يخص هجومه المسلمين فحسب، بل أطلق لسانه مع انطلاق حملته الانتخابية. فحين وصف السيناتور الجمهوري جون ماكين حشود ترامب بـ “حفلة المجانين”، رد عليه ترامب في تغريدة وصفه فيها بالغبي. ولدى سؤال ترامب عما إذا كان يليق بمرشح رئاسي أن يصف بطل حرب بالغبي، رد ترامب: “إنه ليس بطل حرب لأنه تعرض للأسر، أنا أحب الذين لم يتعرضوا للأسر”، في إشارة إلى أسر ماكين في حرب فيتنام. طالب بعدها كل من البيت الأبيض وماكين ترامب باعتذار رسمي، فاضطر الأخير إلى الاعتذار على “تويتر”. الضجة الإعلامية الأكبر التي أحدثها ترامب قوله إن المكسيك ترسل “مجرمين”، محملا إياهم مسؤولية البطالة الأمريكية. وقد وصفت تصريحاته بالعدوانية وطالبوا بمقاضاته بنصف مليار دولار.
وفي المناظرة، انتقدته المذيعة “وصفت السيدات اللاتي لم يعجبنك بالخنازير السمان والكلاب والقذرين والحيوانات المقرفة”! مشيرة لهجوم سابق أيضا على كاتبة أمريكية.. وقال مرة ساخرا في حوار مع قناة NBC إنه لو كان قد بدأ أعماله الاستثمارية في السنوات الأخيرة لتمنى أن يكون أسود اللون لما لذلك من مزايا سيحصل عليها، في إشارة ساخرة إلى الاهتمام بالسود وتعزيز فرصهم في أمريكا، ملمحا لانتخاب أوباما. وقد سبق وتمت مقاضاة شركة عقارات يملكها، من قبل وزارة العدل الأمريكية في السبعينيات بسبب التمييز العنصري بين البيض وغيرهم.
اللافت أن صعود نجم ترامب في التصويت مبدئيا، ليس بسبب حماقاته السياسية ولكن بسبب الإعجاب بذكائه “الاقتصادي”. ولأنه لا يمكن أخذه في الاعتبار كمرشح جدي، فقد اعتبر كثيرون أن ترشحه لسباق الرئاسة ليس سوى حملة إعلامية له كرجل أعمال لمزيد من الشعبية وجذب الأنظار إلى ممتلكاته المتشعبة في أمريكا والعالم. إلا أنه في المقابل قد يكتوي بنار الحماقات ويتكبد خسائر كبيرة لإمبراطوريته المالية بسبب أفعاله، التي تسببت بالفعل في قطع بعض الشركات علاقاتها مع مؤسساته. من ذلك التغريدة الغاضبة التي أطلقها الوليد بن طلال على “تويتر” ورد عليه ترامب بلغته المعتادة، هذا إذا ما عرفنا أن الوليد ساهم في إنقاذ ترامب من الإفلاس منتصف التسعينيات.
بطبيعة الحال، قد لا يتعلق صراع الديكة الأمريكي بالمسلمين خارج أمريكا وإن كان عنصريا متطرفا ومباشرا كما يبدو، وذلك لأن الأمريكيين أنفسهم يقومون بدورهم بشكل كاف لحماية مجتمعهم ونظامهم وأمنهم القومي. وإن كان على المسلمين فعلا أن يكترثوا لما قاله ترامب، فهو الجانب المظلم الذي يتطلب التفكير والاعتراف فعلا بعظم المشكلة التي نمر بها، والسعي لحلها بكل إمكانات الإصلاح بدءا من القاعدة الأساسية فكريا وفقهيا وما سواهما. فكثير منا ليسوا بأقل رفضا وإقصائية للآخر المختلف.