من الواضح أن هناك خللا في تصور مفهوم الدولة عند عدد من المسؤولين في الدولة، وليس مجرد خلل في السياسة الإعلامية للحكومة التي تسمح لبعض عناصرها بالظهور الإعلامي من دون إعداد مسبق أو تدريب أو تحضير!
يتلخص هذا الخلل في اعتقاد بعض المسؤولين بأن الحكومة بوزرائها ووكلائها أوصياء على الشعب، ومتفضلون عليه برعاية شؤونه، وكأنهم ينفقون على الشعب من أموالهم الخاصة، وأن الدولة بكل عناصرها مختزلة في الجهاز التنفيذي المتمثل في الحكومة وتوابعها، وأن أي مواطن يخرج عن الإطار الذي ترسمه هذه الحكومة فإنه مارق يستحق العقوبة والحرمان من الحقوق، وإذا لم يتعرض للحرمان والعقوبة، فهذا يعتبر تكرما من الحكومة وشفقة عليه!
يتجلى هذا التصور في العديد من التصريحات الصادرة من مسؤولين في الحكومة في وسائل الإعلام، فهناك مسؤول أمني قال بصريح العبارة إن سحب جنسية المخالفين مرتبط بمدى سكوتهم وقبولهم أو معارضتهم، فحتى يسلم المخالف لقانون الجنسية من عقوبة السحب فعليه أن «يبلع العافية» -حسب تعبير المسؤول الأمني- وهكذا ترسخ الأجهزة الأمنية في ذهن المواطن فكرة مفادها: اصمت عن الفساد والأخطاء، وسنغض الطرف عن مخالفتك للقانون، فالقانون سيطبق فقط على من يعارض الحكومة أو يخرج عن الأدوار المرسومة له!
مسؤول آخر يستكثر على الشعب استفادته من الدعم الحكومي للماء والكهرباء والتموين، ويبدي انزعاجه من الانتقادات الشعبية للحكومة، بالرغم من هذا الدعم الذي يتلقاه المواطن، وكأنه يقول إن هذا الدعم مقابل سكوت المواطن عن أخطاء الحكومة، فكأن ما تقدمه الحكومة للمواطن عبارة عن منحة، وليست حقا للمواطن لا منة فيه لأحد.
في كل الديموقراطيات المحترمة تسعى الحكومة لكسب رضا الشعب، وترفع شعار خدمته، لأنها جاءت من خلاله، لذلك تتسعى بكل السبل لعدم استثارته، لكن في ظل برلمان معظمه غير قادر على محاسبة وزير واحد أو إقالته، فمن الطبيعي أن يتمادى أولئك المسؤولون، ويتفننوا في استفزاز الشعب، وربما التضييق عليه، لأنهم يشعرون بالأمان من المحاسبة والمراقبة، فتنتفخ ذواتهم، معتقدين أنهم متفضلون على الشعب وليس العكس، وعلى الشعب أن يتقبل كل ما يصدر منهم بصدر رحب، لأنهم في هذه الحالة أصحاب اليد العليا.
من المؤسف والمعيب حقا أن تكون فكرة «الدولة» غائبة عن بعض مسؤولي الدولة!