واهم من يحاول أن يلبس الكويت ثوب الدولة القمعية أو البوليسية، وأكثر وهماً من يبح صوته بمطالبات تقييد الحريات وصبغ الكويت بصبغة اللون الواحد التي تبرر وأد الحريات وتقييد الحقوق وتمنع الرأي وتلاحق كل ممارسة للتعبير عن وجهة النظر والرأي المخالف.
أقول لأولئك الواهمين، سواء من كان منهم نائباً في البرلمان أو وزيراً في الحكومة أو سياسياً طامحاً، أو متزلفاً من أجل الدينار، أو ملكياً أكثر من الملك، أو كاتباً مرتزقاً، خبتم وخابت مساعيكم الواهية، فما أنتم إلا حالة طارئة، فما لا تعرفونه من الحقائق عن الكويت وأهلها الكثير، وسوف تدور عليكم الدوائر، ولكن لعلمكم الكويت يسودها دستور يكفل الحرية، ويبيح التعبير عن الرأي، ويرسي دعائم حكومة خاضعة لسلطانه تحت مراقبة الشعب وحقه الأساسي في نقدها وتصويب ممارستها بكل الطرق السلمية والمشروعة. كما أن أعراف وأخلاق أهل الكويت تقوم على أساس توقير الكبير وحماية وتدريب الصغير، فكان نتيجة ذلك أن صار طبيعة الناس تلقائية في احترام بعضهم لبعض وعفوية في التعبير عن رأيهم من دون تزلف أو تكلف أو رهبة أو خوف، مما جعل تلك الطبيعة تخلق بيئة حرة تتماشى مع سجيتها ومن دون وجود عقد أو نزعة للعنف بعيدا عن التملق للحكومة أو التعدي عليها لفظيا.
تلك مقدمة مهمة للتوجهات الغريبة والمشجوبة التي تعالت أصواتها في الأيام الأخيرة من قبل بعض أعضاء مجلس الأمة والوزراء والكتاب والسياسيين الذين طالبوا بصورة ممجوجة بمعاقبة بعض الطلبة الدارسين في أميركا، نظرا لترديدهم لشيلات وأهازيج يَرَوْن فيها تعبيرا عن أرائهم، وهو حقهم ولا يجوز أن يخرج علينا من لا يدرك مفهوم الحرية ومبادئها وأهمية ركائزها في نظامنا الدستوري والسياسي وفي التنشئة المجتمعية، ليحاول التحريض غير المقبول ضد الطلاب ومحاولة إيجاد أداة لتخويفهم بملاحقتهم ببعثاتهم وكأنهم ارتكبوا جريمة تستحق العقاب، محاولين استغلال بعض أجواء التضييق على الحريات التي انزلقت إليها الحكومة في الآونة الأخيرة، في حين أن ما قاموا به تعبير عن الرأي وممارسة راقية في إيصال ذلك بصرف النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا معهم في ما يطرحونه، وحسناً فعل وزير التربية وزير التعليم العالي حينما قال إن تلك آراؤهم وكانت بهدف إحراج الحكومة ولم ير أي مأخذ في ذلك.
أما المحرّضون والمطالبون بقمع الدولة البوليسية، فنقول لهم إن كانت أجواء الديموقراطية والحرية لا تناسبكم فاقعدوا في بيوتكم.