عرفت الكويت طوال تاريخها، نوعاً أو آخر من الفساد، وليس في الأمر غرابة، فهذا حال البشر، ويحدث في كل الدول، وإن بدرجات متفاوتة!
التطور الذي حدث في الكويت أن السارق في الماضي كان غالباً فرداً، وكان يكتفي بالقليل، وكان يحرص على القيام بسرقته بسرية تامة، وإن انكشف أمره انزوى في بيته أو ترك البلد، هرباً من الفضيحة. أما الآن فقد خرج الأمر من دائرة الفردية، وأصبحت السرقة عملا جماعياً وأكثر حرفية، تشارك فيه مافيات كبيرة، ومعظم من يهمهم الأمر ربما يعرفون بامر هذه السرقات، ومن يقوم بها ومن يستفيد منها. كما أصبح «الوجيه السارق» لا يستحي من زيارة الديوانيات، او المجالس العامة والمشاركة في الأفراح، وهو على ثقة بأن الصدر سيكون له. وكلما زاد حجم السرقات وعددها، زادت شهية السراق، وأصبح لهم مشاركون «أقوياء» ومتنفذون، من مواطنين من علية القوم، أو مقيمين يعرفون من أين تنهش الكتف. فهناك مافيات سلاح، ومافيات أشغال عامة، و«ترتيبات» في كيفية الفوز بالمناقصات الكبيرة، بأعلى الأسعار. كما أن هناك مافيات في الصحة وفي البلدية وغيرهما، إضافة لمافيات صغيرة في الشؤون والداخلية ودوائر حكومية عدة.
كل هذا قد يكون مقبولاً، وإن على مضض شديد، إن كانت المشاريع تنفذ، والمواد تسلم في مواعيدها، وحسب شروط توريدها، والخدمات تنجز دون تأخير، ولكن الأمر غالبا ما يكون خلاف ذلك، مما يدفع إلى الشعور بالإحباط والقهر، فكيف يمكن قبول كل النهب والسرقات، مع ما يرافقها من تعطل المشاريع وتعقد المعاملات وتخلف مستوى الخدمات؟
ولو نظرنا لوزارة المواصلات مثلاً، والموانئ بالذات، لوجدنا أن وضعها في ترد مستمر منذ 40 عاماً، بالرغم من أنها أقدم موانئ المنطقة، وكان من الممكن أن تكون الأكبر بعد التحرير، والسبب يعود ربما لسيطرة المافيات عليها، وسكوت الحكومة عنها بالرغم من علنية الحرمنة فيها، وانكشاف امر أكبر السرقات واكثرها مدعاة للخجل.
إن مشكلة الموانئ لا تكمن في تكدس السفن في ميناء الشعيبة، كما ورد في تقرير القبس الأخير، ولا في إرتفاع عدد البواخر التي تنتظر التفريغ منذ اشهر، وما سيعنيه ذلك من ارتفاع الكلفة على المستورد وتحميلها تالياً على المواطن، فهذه المشاكل تعرفها إدارة الموانئ منذ أشهر ولم تفعل شيئاً لتجنبها، بل المشكلة تكمن فيما يبدو بإصرار الحكومة على جعل الموانئ «هدية» لمن ترضى عنهم، والذين عادة ما يكون معظمهم عاجزين عن التصدي للمافيات، لسبب أو لآخر، لتزداد الأمور سوءاً يوماً بعد يوم.
إن الحل يكمن في تلزيم أعمال الموانئ لشركات عالمية تتولى إدارتها، فالمسألة فنية، وعلى الحكومة أن تعترف بفشلها، حتى في استعادة ما سلب من أراضيها، التي بيعت لجهات عدة، لكي تضيع الطاسة، ويصعب استردادها.