جلس الطفلان الصغيران على مقعدين متجاورين في أحد مراكز الشرطة وهما يرتجفان وعيونهما مغرورقة بالدموع… ترى، ما الذي حل بهذين الطفلين الصغيرين اللذين لم يتجاوزا عشر سنين؟ ولماذا هما هنا؟ وأين والداهما؟
الوالدان.. هما إذن مصدر ذلك الرعب! ولعل في مختصر القصة ما يثير أعلى درجات الحزن والأسى لما يجري بين جدران الكثير من الأسر في المجتمع البحريني… لقد توجهت أم الطفلين إلى مركز الشرطة تستنجد وتبحث عمن يحميها من الهجمة الشرسة التي تعرضت لها، وبينما كانت تقدم إفادتها لدى الشرطة النسائية، كان الطفلان ينتظران وهما في حالة قلق وخوف وترقب مشوب بالفزع، فلربما شاهدا والدهما لحظة انقضاضه على الأم الضعيفة، ولربما لم يريا المشهد، لكنهما على أية حال، ليسا في خير حال!
قوة أشباه الرجال، في كل المجتمعات، العربية والغربية، تظهر بضراوة شديدة فتاكة على زوجاتهم وعيالهم، وليس ذلك من قبيل قصص تراجيديا الخيال بل هو أمر واقع ولا يمكن إنكاره حتى بالنسبة للمجتمع البحريني، وقد تكون القضايا أكبر بكثير من تلك التي يتم تسجيلها في مراكز الشرطة أو في المراكز الاجتماعية ومراكز الحماية من العنف الأسري، فهناك – وفق رصد العديد من الباحثين الاجتماعيين – حالات كثيرة من العنف الأسري تبقى طي السر والكتمان من جانب الزوجات حفاظاً على الستر وما تبقى من أمل في أن يعود ذلك (الزوج الذكر) إلى معنى الرجولة والأبوة والعشرة المتصلة بالمودة والرحمة.
إن البحث في ظاهرة العنف الأسري، وخصوصاً ضد الزوجات والأبناء، تستدعي في المجتمع البحريني إجراء المزيد من الدراسات الاجتماعية والتحرك لحماية كل أفراد الأسرة، بمن فيهم الرجل حين يتعرض للتعنيف أيضاً، ووفقًا لذلك سريان التطبيق الجوهري لقانون الحماية من العنف الأسري بمختلف أشكاله وأذاه الجسدي والنفسي، فمع شديد الأسف، تبدو تلك الظاهرة، بل (الخافي) منها، مدمرة للكثير من الأسر التي تقع تحت رحمة رجل زوج مريض نفسياً، ومن النوع الذي تتراكم عليه مساوئ مرض الشك والهمجية واستخدام الأسلوب الهمجي الوحشي في التعامل مع الزوجة والأبناء.
وحتى اليسير المتوفر من الدراسات، فيها نسب تعكس حجم المشكلة، إذ تشير بعض البيانات إلى أن أكثر من يمارس العنف ضد الزوجة هم الأزواج وتبلغ نسبتهم 89.8 في المئة، وهناك نسب متفاوتة يكون السبب فيها الأخ (18.4 في المئة) والأب (16.2 في المئة)، إلا أن أكثر فئة تتعرض للعنف هي الزوجات على يد أزواجهن، وحتى الحالات التي يتم إخفاؤها في حدود الأسرة، لها مخاطرها الجسيمة التي تنخر في كيان الأسرة وتعرضها للتهديد والانهيار.
ما يحز في النفس، أن من سمات المجتمع البحريني منذ القدم، تلك الحالة من المروءة والنبل والمساهمة في حل أي مشكلة أسرية من جانب الأهل، سواء كانوا من أهل الزوج أم الزوجة، وهذا حاصل في الكثير من القضايا التي تعرضت فيها الزوجة للعنف أو الإهانة على يد الزوج حيث يتدخل الأهل بكلمة إصلاح طيبة، غير أن هناك حالات ابتعد فيها الأهل عن الزوجة وتركوها تحت قبضة شبيه الرجال، بل حتى بعض القضايا التي تصل إلى مراكز الشرطة، تنتهي بسحب الشكوى من جانب الزوجة ليعود من جديد بكل غطرسة وقوة لإشباع رغباته المرضية النفسية في إيذاء الزوجة والأبناء جسدياً ونفسياً.
الطفلان الجالسان على مقاعد الخوف والرعب، ليسا مسئولية الأم وأهلها فقط، بل هي مسئولية كل أفراد المجتمع، وليس في وسعنا معرفة حجم البيوت التي تعاني من هذه الكارثة، لكنها كثيرة، لذلك، على النساء المعنفات أن يتقدمن بالشكوى ضد أولئك المرضى النفسانيين دون تردد بعد أن تنفد معهم سبل الإصلاح، وعلى أهل الزوجة ألا يتركوا ابنتهم فريسة لوحش كاسر.