بات الشرق الأوسط على فوهة بركان شديد الانفجار بعد إسقاط الطائرة الحربية الروسية بصواريخ تركية، وهي تنفذ ضرباتها ضد الجماعات الإرهابية في سورية، وتداعيات هذا الحادث لن تمر مرور الكرام في ظل لهجة التصعيد الخطير في الموقف الروسي، وعبر الرئيس بوتين الذي اعتبر استهداف المقاتلة الروسية طعنة في الظهر، وسرعان ما بدّل ذلك بعبارة إعلان الحرب على روسيا متهماً الرئيس إردوغان بأنه أحد أركان دعم “داعش” في المنطقة.
الموقف التركي بحد ذاته كان غريباً وغير مبرر، وتزامن مع تطورات سريعة أعقبت العمليات الإرهابية في فرنسا، حيث بدأت بعض الأصوات الرسمية أو شبه الرسمية في أوروبا تضيّق الخناق على دول محددة، وتشير إليها بالاسم، ومن بينها تركيا، بأنها تقف وراء التنظيمات المتشددة والمسلحة إما أيديولوجياً أو سياسياً أو من خلال تسهيل مهامها بالمال والدعم اللوجستي، وبلغت المطالبات الغربية بمحاسبة هذه الدول، وإن كانت من حلفائها، في وقت لمع نجم روسيا وأخذت ضرباتها العسكرية تؤتي ثمارها ميدانياً في فترة قصيرة، فأنجزت ما عجز التحالف الأميركي عن تحقيقه على مدى عامين.
ويرى العديد من المحللين الاستراتيجيين أن حالة الانزعاج الغربي والتركي، وكذلك بعض دول المنطقة من التدخل الروسي في روسيا، منبعه حجم الدمار الذي ألحقته موسكو بالجماعات المسلحة وأفرادها ومقار قياداتها وخطوط إمدادها النفطي وبنيتها التحتية ككل، ولم تميز الضربات الروسية بين “داعش” وبقية الجماعات المسلحة التي تعتبر
أوراقاً تفاوضية لقوى إقليمية ودولية تسعى إلى الاستفادة منها في العملية السياسية المرتقبة في فيينا، أي بمعنى آخر فإن الروس باتوا يحققون انتصارات عسكرية وسياسية معاً، ولعل المتضرر الأكبر من ذلك هو تركيا التي وضعت ثقلها بالكامل وراء شعار إسقاط النظام السوري وهو سيناريو بات من المستحيلات.
لذلك فإن إسقاط الطائرة الروسية من خلال كمين جوي ومن مقاتلات تركية انطلقت من قاعدة تابعة للناتو، وسقوط الطائرة في الأراضي السورية التي يهيمن عليها ميدانياً الأتراك السوريون، يحمل دلالات واضحة لدفع حلف شمال الأطلسي برمته في المعادلة السورية خلف تركيا، كما أن ردة الفعل السريعة من موسكو بنصب صواريخ إس-300 وإس-400 على الحدود التركية سيقابلها بالتأكيد نقل منظومة صواريخ الناتو على الطرف الآخر للحدود السورية، وذلك في مشهد مشابه لتقسيم أوروبا بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة إلى شرقية وغربية إبان الحرب الباردة، مع فارق كبير في الموقف، حيث إن الحرب في سورية لم تعد باردة بل إنها ساخنة، وبالتأكيد ستزداد ضراوة في الأيام القادمة.
إن المستفيد الأول من انتقال حالة المواجهة إلى الدول الإقليمية والقوى الكبرى هو بالتأكيد تنظيم “داعش” وبقية الجماعات الإرهابية سواءً المتحالفة أو المتقاطعة معه في الوقت الراهن، بل يمكن لهذه الجماعات الوصول إلى العمق الأوروبي كما حدث في باريس مؤخراً!