عندما يصدر مجلس الأمن الدولي قراراً ملزماً يدعو كل دول العالم إلى التصدي وبكل حزم لتنظيم “داعش” ودونما اعتراض من أي دولة في المجتمع الدولي، على الأقل من الناحية الرسمية، فهذا دليل قاطع على مدى خطورة هذه الجماعة الإرهابية وتهديدها للأمن والسلم الدوليين، وعندما تعلن حكومات العالم على اختلاف أنظمتها السياسية وأيديولوجيتها الفكرية بالإضافة إلى مراكز الدراسات والبحوث وعلماء الدين والمحللين بأن هزيمة “داعش” لا تعتمد فقط على الآلة العسكرية، إنما الانتصار المؤكد يجب أن يأخذ بعين الاعتبار البعد الثقافي والفكري والإصلاح السياسي والإداري، فهذا إثبات آخر على حجم الجهود المطلوبة لاقتلاع جذور هذا الفكر المنحرف والخطير، وعندما يحذر العديد من أصحاب القرار والباحثين أن الحرب على إرهاب “داعش” تتطلب زمناً طويلاً، فهذا برهان إضافي على امتداد هذا الفكر المتطرف والدوائر الراعية له من أفراد وجماعات ودول ومشايخ وتجار وغيرهم.
إن ما نراه اليوم من ممارسات إرهابية تجاوزت جغرافيتها المحيط الإسلامي لتصل إلى العمق الأوروبي وبقية مناطق العالم، وحجم الخراب الذي ألحقه “الدواعش” بالإنسانية، وكم الدماء التي سالت من سكاكين الملثمين وأحزمتهم الناسفة وسياراتهم المفخخة، ليس سوى نتيجة طبيعية لسنوات طويلة من التنشئة الفكرية والرعاية السياسية والتمويل المادي لأفراد وجماعات ودول ومشايخ وتجار وغيرهم أيضاً ممن ساهموا في خلق بذور هذا التنظيم وسقوا شجرته الملعونة، ولذلك باتت المسؤولية على الجميع سواءً كانوا ضحايا “داعش” أو آباءه الروحيين والسياسيين في الوقوف بوجه هذا الآفة ولو استغرق وقتاً طويلاً.
العالم الإسلامي وخارج حدوده أيضاً مليء بصغار “الدواعش”، وأمثال هؤلاء غير قادرين اليوم على حمل السلاح أو تعلم فنون العمليات الانتحارية أو أنهم يعيشون حياة الرغد والترف وليسوا مستعدين إلى الآن للذهاب إلى الجنة، حيث إن الأرض وفرت لهم كل ما لذّ وطاب، ولهذا يكتفون بالتغريدات الإلكترونية أو التصريحات الصحافية أو تهييج الناس وخاصة الشباب من خلال تكفير الآخرين والترويج لفكر إسلامي مزيف ومنحرف ومصلحي، وهذه الممارسات التي يسكت عن التصدي لها كبار رجال الدين أو الحكومات أو التيارات السياسية هي التي تصنع مرتزقة “داعش” وتجنيدهم من بين الشباب الأميين والفقراء والمضطهدين في الدول المتخلفة، فيلبسونهم الأحزمة الناسفة من أجل اللحاق بالحور العين!
بلدنا الصغير والمرفه أيضاً لا يخلو من صغار “الدواعش” وأدواته، ولا أقصد هنا من ارتكبوا الجرائم الفعلية وتلطخت أيديهم بدماء رجال الأمن والأبرياء من المواطنين والمقيمين أو أؤلئك الذين شكلوا الخلايا اللوجستية لتنظيم “داعش” وغيره من العصابات الإرهابية، أو من احتفلوا جهاراً بجمع الأموال لهذه التنظيمات المجرمة، ولكن أؤلئك الذين يبثون سموم الفتنة عبر وسائل التواصل الاجتماعي دونما ذرة من الحياء أو خشية الله في استقرار البلد ولحمة أبنائه، وهذا النوع من الفكر المجاهر به هو ذاته من خلق لنا أولئك المجرمين الذين يقتلون خلق الله في كل مكان، وهم الشجرة الملعونة التي تستمر في إنتاج الثمر الفاسد، الأمر الذي يستدعي قلعها من جذورها!