هنا، في الكويت، بلد المليون دمعة، بلد المليون حزن، بلد المليون فشل، بلد المليون كآبة، بلد المليون سرقة، بلد المليون فساد، بلد المليون خنق ومنع ورفض… يقام معرض الكتاب! ما الذي جناه الكتاب على نفسه كي يأتي إلى الكويت؟ ما الذي فعله تجاه أمه وأبيه؟ هل عقّهما كي يُعاقب ويُقام له معرض هنا على هذه الأرض الحزينة المخنوقة؟ هل استولى الكتاب على أموال يتيم فعوقب بإقامة معرضه على أرض الكويت؟ ما الجرم الذي اقترفه الكتاب العربي ويدفع ثمنه الآن؟
والله يذكر المثقف السعودي المبدع نواف القديمي، رئيس الشبكة العربية للكتاب والنشر، وأحد أهم ولاة أمر الكتاب والثقافة والوعي، عندما أراد، في هذه السنة، إقامة معرض للكتاب في إسطنبول، هو الأول من نوعه، فأخذها “كعب داير” بين الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية التركية، كوزارات السياحة والثقافة والبلديات وغيرها، بحثاً عن الجهة المسؤولة عن إصدار التراخيص اللازمة للمعرض، فكان الرد يأتيه من هذه الجهات: “لا نعرف كيفية استخراج التراخيص”، فاتجه إلى الحزب الحاكم، فكان جواب الحزب مطابقاً لجواب الوزارات والهيئات: “لا ندري”.
فداخ دوخة القروي الذي دخل العاصمة للمرة الأولى، قبل أن يكتشف أن الأمر لا يحتاج إلى “تراخيص ومراخيص”، وأن الحكاية لا تتطلب أكثر من الاتفاق مع صاحب دار نشر، أي دار نشر، واختيار مكان للمعرض، ووضع الكتب على الطاولات والأرفف، وشكر الله سعيكم. فأقيم المعرض الذي حقق نجاحاً ينحني له المثقفون احتراماً، على الطريقة اليابانية.
في حين تطلب منك الجهات الحكومية الكويتية مئة ناقة من النوق العصافير، وتاج قيصر، وعرش كسرى، قبل أن تسمح بإدخال كتابك إلى معرضها الكئيب، المنتوف الريش.
يا سادة، جزاكم الله عنا كل خير، ابحثوا لنا عن لجنة أولمبية للكتاب، تمنع إقامة معارض للكتاب في الكويت، حفاظاً على ما تبقى من صورة الكويت القديمة، نتوسل إليكم ابحثوا لنا عن جهة دولية تحظر إقامة مثل هذه الفعاليات في الكويت، وتوقف نشاطنا في مجال الكتب والثقافة، كما فعلت اللجنة الأولمبية في نشاطنا الرياضي.
وفي طريقكم، ابحثوا لنا عن لجنة أولمبية توقف استخدام المطار الكويتي، والشوارع الكويتية، والمستشفيات الكويتية، والمدارس الكويتية، وكل نشاط يهم الإنسان، حفاظاً على قيمة الإنسان، وعلى ما تبقى من جمال الكويت القديمة… من شان الله.