قال: أنا طبيب أسنان، درست وتعلمت اللغتين الروسية والإنكليزية، بالإضافة إلى لغتي الأم العربية، وأنا أعمل الآن طبيباً في وزارة الصحة، وأنا “بدون”… قلت: عليك أن تكون فخوراً بنفسك، هناك من يبني نفسه من الصفر، وهو مكافح، أما أنت فبنيت نفسك من “السالب”، والعظماء وحدهم من يبنون أنفسهم من لا شيء.
قال: الوطن والانتماء أكبر من كل المسميات، ولائي وانتمائي للكويت لا غيرها.
بعد نشر مقالي الماضي، الذي كان بعنوان “الحكومة الكندية والحكومات النكدية”، تلقيت تعليقات كثيرة، من ضمنها تعليق وصلني على أحد مواقع التواصل يتهمني صاحبه بالتقصير في طرح قضية البدون، لأنني لم أذكر قصص نجاح للبدون على المستويين المحلي والعالمي، فكان ردي ببساطة أن البيئة البائسة للبدون في الكويت طاردة للإبداع، والنجاح فيها هو المستحيل بحد ذاته، هنا أعود إلى “السالب” الذي ذكرته ببداية مقالي، وهو ما يتمثل في قوانين الدولة تجاه هذه الفئة، وعدم إنصافها وسلب حقوقها، بما فيها حق الكفاح لذوي الطاقات غير العادية، فأوضحت له أن مقالي يتحدث عن المهاجرين بشكل عام، وكيف لنا أن نقلق من المهاجرين وهم من قاموا ببناء أعظم دول العالم، وعلى رأسها الولايات المتحدة؟!
دار هذا النقاش بيني وبين د. عبدالحكيم الفضلي، الذي غادر إلى أوكرانيا بجواز مادة ١٧ الذي يستخرج للبدون، ودرس في جامعة كريميا للعلوم الطبية، ثم تخرج طبيب أسنان، وتقدم لامتحان وزارة الصحة ونجح فيه، وبدأ عمله منذ عام ٢٠٠٣ إلى الآن، كان ضمن فريق تدريب الأطباء الجدد في الكويت، ويجب أن أشير إلى أن د. عبدالحكيم يملك خبرة ١١ سنة في اختصاص أسنان الأطفال، ويُعالج ما يقارب ١٠ أطفال في اليوم الواحد، إلا أنه لم يستطع علاج ابنه، لأنه لم يكن يملك شهادة ميلاد، قبل أن تسخرج له مؤخراً!
وغيره الكثير، ممن ذللوا الصعوبات، وبنوا جسر الأمل فوق بحيرة اليأس، استذكر د. عبدالرحمن الشربيني، الذي عمل طبيباً مجانياً لأهل الكويت إبان الغزو العراقي، والدكتور خليفة الشمري الذي عمل عميداً في إحدى الجامعات لكلية الطب في ولاية كاليفورنيا، وترأس العديد من الجامعات، والجدير بالذكر أنه عاد إلى الكويت إبان الغزو، لينضم إلى صفوف المقاومة، قبل أن يشد الرحال للمرة الأخيرة إلى الولايات المتحدة، وتكون هي شاهدة على نجاحاته والمستفيدة من طاقاته، والكثير غيرهم ممن شهدت دول العالم بإبداعهم في شتى المجالات.
الصفة التي نُطلقها على من يستغني عن حقل نفط، هي نفسها نُطلقها على من يستغني عن هؤلاء وأمثالهم الكثير، فالموارد البشرية لا تقل أهمية عن الموارد الاقتصادية.
من يراقب كيفية بناء البلدان العظمى، ولنا أمثلة على المستويين الإقليمي والدولي، سيلاحظ أن طريقة بناء هذه الأوطان يُحددها متطلبان، الأول الولاء والانتماء للوطن، والثاني الإنجاز والإبداع، وهؤلاء المبدعون من أشقائنا البدون وكثيرون غيرهم، أثبتوا انتماءهم وقدراتهم على الإنجاز، ولكن السؤال: هل نريد أن نكون بلداً عظيماً؟