بوفاة العم يوسف خالد المخلد، أمس، رحمة الله عليه، وقد سبقه بأشهر قليلة العم عباس مناور، تكون الكويت قد فقدت مع من سبقهما نماذج من رجال الدولة، فالرجلان -رحمهما الله- كانا من المؤسسين بعضويتهما في المجلس التأسيسي الذي وضع الدستور، وبه انتقلت الكويت من المشيخة العشائرية إلى الدولة الدستورية، وبمراجعة سريعة لأعضاء المجلس التأسيسي وعددهم 31 شخصاً (20 منتخبون و11 وزيرا من غير المنتخبين)، نجد أن معظمهم رحل إلى جوار ربه -رحمة الله عليهم-، والأحياء منهم 7 أطال الله في أعمارهم.
لا شك في أن الكويت ولاَّدة، فكما كان في الكويت رجال من البناة والمؤسسين، الذين كان الوطن ورفعة شأنه وتطويره همهم وشغلهم الدائم قبل استقلال الكويت وبعد استقلالها، وحتى منتصف السبعينات، إذ ظهر علينا منذ ذلك الحين نمط آخر من الرجال ومن معظم الطبقة السياسية صار همها وغايتها البحث عن مكاسب شخصية وأمجاد وهمية ومعارك وانتصارات جانبية، بل حتى بعض من كان من جيل المؤسسين ورجال الدولة تغير تفكيره وتراجع سلوكه وصار أقرب إلى النمط الجديد من الرجال الذين آخر همهم الوطن.
إن المؤسف أن يكون هذا النمط من الرجال هو السائد اليوم، وهو الذي يدير أو يؤثر في شؤون الدولة أو يملك الأدوات التي تيسر له ذلك، وخذ عندك عرضا لنماذج منهم، فالمنتمي منهم لتيارات سياسية مغرق في تفكيره الحزبي الضيق الذي لا يقبل بالرأي الآخر ويجهد نفسه وفكره وماله وتياره في معارك وصراعات مع التيارات الأخرى، سعياً لانتصارات وهمية وبطولات بعيدة عن الوطنية، فصار تكسير بعضهم للبعض الآخر معركة لا هوادة فيها، فأعماهم فكرياً وأخواهم سياسياً وجرّدهم وطنياً، فتخلى جميعهم عن المشروع الوطني الموحّد الذي يحقق لهم التعالي على خلافاتهم الهامشية واختلافاتهم الضحلة، ليكون الدستور وحماية الحريات وإعادة هيبة الدولة وتحقيق الإصلاح الوطني هدفهم المشترك والوحيد، فذهبت كل أعماله أدراج الرياح وصاروا فخاراً يكسر نفسه وتحقق للحكومة مرادها، أما غير المنتمين من الرموز والشخصيات التي كان ينتظر منها دوراً، فقد انشغلت هي الأخرى بمعارك تكسير الفخار والتحريض والتسلق على حساب هذا التيار تارة، وعلى حساب ذاك التيار تارة أخرى، وهي تتسلق حقيقة على حساب الوطن ومصالح ابنائه، وهكذا صار همها البحث عن مجد زائف وإنجازات ورقية وإعلامية، وهي واقعيا لا تقدم للوطن إلا الخواء.
وقد ضاعت مصالح الوطن، وتم التفريط في قدراته بين مرحلتي رجال الدولة ورجال الفخار الذي يكسر نفسه، فهلا تخلى العقلاء عن مطامعهم الشخصية ووحدوا جهدهم لمشروع إعادة مرحلة رجال الدولة بمشروع النهوض الوطني، اللهم اكتب للوطن ذلك.