الحالة الداعشية تجاوزت الحالة “القاعدية” بمراحل كثيرة، في كثافة العمليات الإرهابية ونوعيتها ورحابة المسافات بين المواقع المستهدفة مع ضيق واضح في الزمن بين العملية والأخرى، وآخرها القفزات التدميرية من سيناء بمصر (31 أكتوبر) مروراً بالضاحية الجنوبية بلبنان (12 نوفمبر) إلى باريس ( 13 نوفمبر) أي خلال أقل من أسبوعين فقط.
ألغاز الحالة الداعشية التي يصعب تفكيك رموزها تكمن في أنها تقدم المزيد من الأسئلة كلما حاولنا الإجابة عنها، من هم؟ كيف يعملون؟ ما الحدود التي يقفون عندها؟ أين تقع غرفة عملياتهم؟ ما سر بقائهم وتقدمهم كلما اتسعت الحرب الدولية ضدهم؟ وعشرات الأسئلة الأخرى التي تتكاثر بمجرد بدء الجواب.
الدماء وثمن الروح لدى الحالة الداعشية ليست لها أي قيمة كبقية الجماعات الإرهابية التي تنظر إلى سقوط الأبرياء على أنهم خسائر جانبية، لابد منها لخدمة أهداف أسمى، التميز لدى الحالة الداعشية يبرز في الانفصال التام بين رؤيتهم للعالم ورؤية العالم لهم بشكل غير مسبوق، الأمر الذي جعلهم يسجلون براءات اختراع في عالم نزع الأرواح، يحرقون مسلماً، يفجرون مساجد سنية وشيعية، يهرسون أسراهم تحت الدبابة ويصورون تلك الفظائع بإخراج سينمائي ويعرضونه بتقنية “إتش دي”.
أفعال الحالة “القاعدية”، وهي النسخة الأقدم، لم تكن بأقل من “الحالة الداعشية” في عالم نزع الأرواح، بل يسجل لهم أقوى عرض سينمائي أرعب أميركا والعالم في أحداث 11 سبتمبر 2001م، ولكنهم، أي تنظيم القاعدة، حرصوا على كسب الرأي العام الإسلامي وتحاشوا إحراج الحواضن المتشددة بقتل مثيلهم في الدين أو المذهب بشكل متعمد، حيث يسهل عليهم هذا التحاشي مهمة تجنيد المزيد من المقاتلين والأتباع.
من خلال فظائع الحالة “الداعشية”، وأنا أسميها حالة لأنها النموذج الأحدث من برامج الجماعات الدموية، يمكن ملاحظة جنوح الدواعش نحو إزهاق أرواح الغربيين، لأنهم مدركون أن لكل روح منها قيمة عالية لدى أصحاب القرار نابعة من مكانة تلك الأرواح في المجتمع الديمقراطي، وحرية أصحابها في انتخاب من يمثلهم ويعبر عن تطلعاتهم، أما أرواح المسلمين فلا قيمة لها، وعليه تم تعويض “رخصها” بتدمير دور العبادة لارتفاع قيمتها الروحية ولإيصال رسالة مفادها أن التنظيم لا يخشى شيئاً حتى حرمة بيوت الله.
في الختام، قد يكون ما حصل في باريس مؤخراً بداية جديدة للقضاء على “التنظيم الداعشي”، ولكن إذا تجاوزنا الأهداف المرحلية لمن حرق “داعش” قلوبهم وبقيت منابع الفكر المتشدد على حالها فسنصل إلى نتيجة حتمية هي ظهور “حالة داعشية” جديدة لا نعلم اسمها، ولكننا متأكدون أنها ستنطلق من آخر بركة دم انتهى عندها شر النسخة السابقة.