قررت فرنسا بعد تعرضها للتفجيرات الإرهابية الأخيرة في عاصمتها باريس أن تُعلن حربها المباشرة ضد الإرهاب للقضاء على تنظيم داعش الذي أعلن مسئوليته عن هذه العمليات الإرهابية التي أودت بأرواح 172 قتيلاً ، وقد بدأت هذه الحرب بقصف طيرانها المكثف لمدينة الرقة بسوريا معقل التنظيم لتتغير النبرة الهادئة التي كانت تنتهجها السياسة الفرنسية إزاء مشاركتها مع قوات التحالف في حربها ضد إرهاب داعش وتتخذ بذلك خطوات منفردة وأكثر شدة مع هذا التنظيم الذي هز أركان عاصمتها الهادئة .
فور وقوع هذه التفجيرات الدامية سارعت دول العالم باستنكار هذه الجريمة النكراء وكان في مقدمتها الدول العربية التي في اعتقادي أن استنكارها وتعاطفها فاق الجميع بأضعاف مضاعفة لم يسبق لها مثيل !! فلو حظيت الشعوب المضطهدة في سوريا واليمن والعراق والأحواز والروهينجيا بِعُشرِ هذا الاستنكار والتعاطف لحسمت قضاياهم ولقُضيَ على طغاتها الظلمة وطويت صفحاتهم !!
ما شدّني حقيقة في هذه الحالة الاستنكارية التعاطفية التي أبدتها دولنا العربية أنها بالرغم مما أبدته من مشاعر نبيلة وصادقة إلا أنهم يُشار إليهم بأصابع الاتهام بالوقوف خلف هذه التفجيرات الإرهابية كونهم في وجهة نظر فرنسا يعدّون الحاضنة الطبيعية لكل إرهابي معتدٍ أثيم وإن لم تُعلن بالشكل الرسمي ، ولكن نيتها إغلاق العديد من المساجد بزعم أنها تُحرض على خطاب الكراهية والجنوح إلى الإرهاب يجعلنا نتيقن بأن الإسلام والمسلمين في فرنسا في خطر وستكون هناك ردة فعل طبيعية تزيد من مشاعر الكراهية تجاه الجاليات العربية والمسلمة في أوساط كافة الشرائح المجتمعية الفرنسية والتي سيقودها الجناح اليميني المتطرف لتعزيزها وتوظيفها لصالح تحقيق أهدافه وكسب الرأي العام الفرنسي !!
ولأن مجتمعاتنا العربية بطبيعتها حساسة ودمعتها قريبة حتى حين تموت قطة الملكة اليزابيث الثانية أو يموت كلب أوباما ، فلأنهما قريبان جداً من مقامهما فلا بد لهذه الشعوب أن تُراعي مشاعرهما في الحزن عليهما !! فمجتمعاتنا أصبحت من أبرز ملامحها التعاطف والمودة للـ ” الخواجات ” والبلادة والقلب المتحجر لأبناء أمتهم ، فأن يموت الملايين منهم ويتشرد الأحياء منهم ويقبع الباقين منهم في غياهب السجون فهذا لا يهم !! المهم هو أن لا تتأثر علاقات دولنا مع الدول الأجنبية وأن تضمن الأخيرة مصالحها حتى لو كان الثمن دماء شعوب تلك الدول !!
ولو تمعنت شعوبنا العربية والمسلمة في تاريخ فرنسا الإنساني مع دولنا لاستخسرت فيها كل ما قيل وسيقال وما عُبّر وما سيُعبّر بالنظر إلى سجلها الدموي في القرنين التاسع عشر والعشرين ، فهل ننسى دخول قواتها لمدينة الأغواط الجزائرية عام 1852 وإبادتها ثلثي سكانها حرقاً بالنار وفي ليلة واحدة !! وهل ننسى حينما جمعت قواتها عدد 400 عالماً مسلماً وقطعت رؤوسهم بالسواطير أثناء احتلاها تشاد عام 1917 !! وهل ننسى احتلال فرنسا للجزائر لمدة 132 عاماً وقتلها الملايين من الجزائريين وتغييرها للهوية العربية فيها !! وغيرها الكثير من الجرائم التي لم يستنكرها العالم بقدر هذا الاستنكار الذي تعيشه فرنسا في وقتنا الراهن !!
نحن كشعوب عربية ومسلمة دعانا ديننا الحنيف لنبذ العنف وتجريم القتل المتعمد بغير ذنب منذ 14 قرناً ، فلا مكان بيننا للمتطرف ولا الإرهابي وليس من المنطق أن يُنسب من ينتهج هذا السلوك الفاحش لهذا الدين العظيم .
فاصلة أخيرة
التعاطف والاستنكار لا يُترجم بالإنبطاح للغير والبكاء على أرواح غير المسلمين ، فلنتمعن في أحوال أمتنا ولنتعظ فيكفينا ما فينا !!