تعددت الأحداث الإرهابية أخيرا. دول عربية وغربية، جميعها مصدر تساؤل حول عمل أجهزة الاستخبارات والأمن وأدائها الأمني والتكنولوجي وموارد معلوماتها. منذ 50 سنة ومنهجية الإرهاب متشابهة. إلا أن هذه المنهجية تتطور بطبيعة الحال. وما إذا كنا نستطيع القول إن أحداث 11 سبتمبر فشل استخباراتي أمريكي سابق، فإن سقوط الطائرة الروسية وهجمات باريس الأخيرة وغيرها من الهجمات التي تتكرر بشكل مرهق على وسائل الأخبار هي أيضا قد تكون كذلك.
جاءت الأهداف الإرهابية في باريس في استاد لكرة القدم يحضره الرئيس الفرنسي نفسه! وقاعة للحفلات الموسيقية، وحانة، ومطعم، ومقاه، ما يعني مواقع حياة طبيعية رمزية. الإرهاب الباريسي هذه المرة مختلف. لم تكن هويات ضحاياه محددة كما “شارلي إيبدو” مطلع العام، بل جاء موجها تفجيره بأحزمة ناسفة دون تفحُّص وجوه الضحايا. أمر يبعث على الحيرة أن تجري الشرطة خلف عشرة أشخاص يقتلون الناس، فيما تعلن فرنسا حالة طوارئ غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية.
بعد الـ 11 من سبتمبر جرت مأسسة مكافحة الإرهاب في كل العالم، مع اعتماد التكنولوجيا الأمنية الحديثة والموارد والمعلومات. هذا يعني أن أعمال الإرهاب لا ينبغي أن تكون من المفاجآت بالنسبة للأجهزة الأمنية. لذا فقد كان متوقعا من الحكومات وأجهزتها الاستخباراتية والأمنية أن تنفذ مهماتها على نحو كاف. وإن فشلت فهو فشل منهجي لمؤسسات مكافحة الإرهاب التي ينبغي عليها حماية البلاد والأبرياء، خاصة أنه من الصعب الحصول على مثل الأسلحة المستخدمة في الداخل، لا سيما في أوروبا. فهل يعني حجم الهجوم، وتعدد الأهداف، وارتفاع عدد القتلى مؤشرا على ضخامة الفشل، ليس الفرنسي فحسب بل العالمي؟ هذا إذا ما عرفنا أن مدبر الهجمات الفرنسية الأخيرة هو “بلجيكي” من أصل عربي.
لا بد أن تقدم لنا المعلومات والأحداث جميعا دروسا جيدة، ليس على المستوى الغربي بل على المستوى الإقليمي والعربي والخليجي. من هم المهاجمون؟ ما تاريخهم؟ هل هم إرهابيون جدد، أم مطلوبون من قبل الشرطة؟ هل هم خريجو سجون، أم تم تجنيدهم عبر الإنترنت؟ هل تدربوا في سورية أو العراق أو أي مكان آخر؟ فرنسيون أم أجانب، أم دخلوا فرنسا كلاجئين؟.
تمتلك فرنسا استخبارات قوية لكن شأنها شأن أي وكالة غربية، لا تمتلك السلطات القانونية أو القوى البشرية أو حتى الموارد التي تمكنها من مراقبة دقيقة. يزداد التحدي مع محدودية المعلومات خاصة إذا ما جرى التخطيط للمؤامرات دون توجيه خارجي، وهو ما يقلل من إمكانية المراقبة والتتبع.
هنا تأتي أهمية تكاتف أجهزة الاستخبارات العالمية وكفاءتها ومدى فاعليتها. هي التي تتابع اتصالات “داعش” ورسائلها الإلكترونية والشفرات والمعلومات. تبني “داعش” للحدث يعني أنه عمل منظمة وغير فردي، وهذا يعني أيضا أن الأمر تجاوز الأراضي الفرنسية. زرع قنبلة كما قد يكون حدث في الطائرة الروسية مثلا يحتاج إلى جمع معلومات لفترة طويلة، وهجمات باريس كذلك. فهل ما يحدث فشل استخباراتي أم اختراق أمني أم سوء تقدير للتهديدات؟ أجهزة الاستخبارات تنجح مرات وتفشل مرات، ويبدو أن الملف الأمني ليس نقطة ضعف فرنسية بل عالمية.
لا شيء يعود كما كان، لذا ينبغي تغيير استراتيجيات ومنهجيات التعامل مع الإرهاب بدءا من تسميته. هذه ليست أعمال إرهاب بل أعمال حرب، وليست حربا عسكرية أو أمنية فحسب، بل حرب استخباراتية.