العمل الإجرامي، الذي ارتكب في باريس يوم الجمعة 2015/11/13 وراح ضحيته 129 من الأبرياء و300 جريح، عمل مدان ويتنافى مع الشريعة الإسلامية، والإسلام منه براء، ولا يتحمل المسلمون جريرة هذه الجريمة النكراء.
وعليه، لا بد من أن توضع الأمور في سياقها الطبيعي بعيداً عن المعلومات المغلوطة أو الادعاءات المزعومة أو المبالغات المقصودة أو الحقائق المنقوصة.
أما المعلومات المغلوطة، فهي تلك التي يعلنها ما يسمى بـ «داعش» والتي يعلن فيها مسؤوليته عن أعمال التفجيرات في العراق وجنوب لبنان وباريس وفي دول أخرى، فيسارع الإعلام لترويج ادعاءاته تلك ونقلها، بل وينفخ البعض الآخر في «داعش» لتضخيم قدراته ويخلق أجواء مواتية لتصديق ادعاءاته، وقناعتي الراسخة – التي يشاركني فيها الكثيرون- أن تلك ادعاءات كاذبة ومغلوطة يستغل من خلالها ما يسمى بـ «داعش» ومن صنعه كل حدث لإعطائه حجماً لا وجود له لغايات في نفوس البعض، وأخرى لغرض غير مفهوم سوى تشويه الإسلام ممن لا يمثله لا من قريب ولا بعيد.
أما الادعاءات المزعومة، فتتمثل في أن ينسب ما يتم من عمل إجرامي ومدان إلى الإسلام والمسلمين، وهي ادعاءات لا يمكن السكوت عنها، خصوصاً أن الإصرار الإعلامي الغربي على «إبراز اسم الدولة الإسلامية» لهذه المنظمة الإرهابية بدلاً من اسمها وهو «داعش»، وكأنهم يهدفون إلى النيل من فكرة الدولة الإسلامية التي هي اسم يخلو من أي تطرف أو إرهاب، بل ويمثل نموذجاً متسامحاً ومتعايشاً مع الآخرين، ما يعني بطلان المزاعم التي تربط بين ديننا السمح وبين الإرهاب، وهو ما يروّج له بكل أسف بعض أبناء جلدتنا لنفوسهم أو أفكارهم المريضة.
أما المبالغات المقصودة، فهي تتمثل في إعطاء «داعش»، تلك الصنيعة الغربية، حجماً مضخماً لتبرير إقامة حرب على عدو يحشدون له قواهم ويبررون تمزيقهم لدولنا تماماً مثلما يستنزفون ثرواتنا ودولنا في تمويل وتعبئة غير مجديتين، ولا يزيدانا إلا ضعفاً وتدميراً. ولا يعقل أن «داعش» بهذه القوة ولا هذا الانتشار، كما كانت «القاعدة» هي الإرهاب قبل سنوات مضت.
أما الحقائق المنقوصة، فهي أن التطرف والأعمال الإرهابية موجودة في كل دين، وتمثلها فئة قليلة شاذة، ولا تصلح تلك الفئة في تمثيل أهل ذلك الدين أو المذهب، ولكن هناك عوامل وظروفاً يتم استغلالها أو تكون الدافع لأصحابها لأن يسلكوا مسلك تلك الفئات الشاذة حينما يعيشون هم وأهلهم معاناة الظلم والاضطهاد وويلات الحروب والتقتيل لأسرهم وأهليهم، كما هو الشأن للسوريين والعراقيين واليمنيين والفلسطينيين، والذين ساهم الغرب في أن يصلوا إلى حافة التدمير النفسي والاجتماعي والإنساني، فيدفعهم إلى التطرف، مما يستوجب وضع هذه الحقائق كاملة في نصابها ورفع المعاناة عن الشعوب التي تدمرها ويلات الحرب والاحتلال، بدلاً من التعامل مع بعض مظاهر التطرف، ليتم التعامل مع الأسباب التي تزيده وتوسع من نطاقه.
وأخيراً، لا يسعنا إلا أن نحزن لقتل الأبرياء في باريس، وندين الأعمال الإرهابية الجبانة التي استهدفتهم، مؤكدين أنه ميزاننا في الحكم على الأمور رباني منطلقه «وَلَا تَز.رُ وَاز.رَةٌ و.زْرَ أُخْرَى» صدق الله العظيم.