كنت مؤخراً في بلدين طالهما العنف. باريس والصومال. حال مغادرتنا مقديشو، عاصمة الصومال، بعد الانتهاء من مهمة إنسانية، قام انتحاريون بتفجير فندق “صحافي” وسقط قتلى وجرحى. كان منهم وزير الدولة الذي رافقنا في الزيارة، ونحمد الله على سلامته. أما في باريس فما إن غادرناها بعد المشاركة في مؤتمر يونسكو العام، فقد كانت مسرحاً لأحداث إرهابية غير مسبوقة راح ضحيتها أكثر من ١٢٠ قتيلاً من المدنيين، والرقم مرشح للارتفاع. وفي وقت متقارب سابق تم إسقاط طائرة روسية كانت قد أقلعت من شرم الشيخ في مصر، وقتل كل من عليها. وفي ذات الوقت جرى تفجير آخر في الضاحية الجنوبية، سقط خلاله عدد كبير من الضحايا بين قتيل وجريح.
ماذا نستنتج من كل هذا العنف الجغرافي المتنوع؟ وهل هناك رابط بينها في التوقيت أم إنها مجرد مصادفات؟
باستثناء الصومال، فإن لشرم الشيخ وباريس وبيروت ارتباطات مباشرة بسورية، وإلى حد أقل العراق. وحتى الصومال هناك احتمال بارتباطه نظراً لإعلان فصيل متشدد هناك انتماءه “لتنظيم الدولة”.
بالطبع هناك أسباب موضوعية وذاتية لكل بلد، ولكن التعامل معها على أنها حوادث منفصلة توقيتياً قد لا يكون مفيداً لاستيعاب ما هو قادم. فتوقيتها مرتبط كما يبدو بحراك سياسي أكثر جدية مما مضى بين الفرقاء العرب وغير العرب، من هم في الجوار أو من هم وراء البحار. ويبدو أن التحركات السياسية بدأت تتسم بشيء من الجدية هذه المرة. ويعود سبب الجدية إلى استشعار جميع الأطراف “دون استثناء” بانسداد أفق الحلول المطروحة، وحالة الإنهاك السياسي، إضافة إلى التكاليف العالية غير المجدية.
وإذا نجح هذا الحراك السياسي، وهو ما ذكرته منذ ثمانية أشهر، فإن الضحية الأولى لذلك النجاح هو تنظيم “داعش”، حيث يبدو البعد العملياتي متجهاً نحو مزيد من التضييق على “داعش”.
وبالتالي علينا أن نتوقع أنه كلما زاد الضغط على “داعش” فمن المرجح أن تزداد أعمال العنف السياسي الإرهابية التي تستهدف الخاصرة الرخوة كتجمعات المدنيين الاعتيادية، بهدف إثارة الرعب العام، وإشعار الأطراف المعنية بقدرة “داعش” على نقل المعركة داخل تلك الدول.
وجود “داعش” واستمراره يرتكز على الخلافات بين الأطراف المعنية، وعندما يتم الاتفاق، على صعوبته وتعقيداته، فإن داعش هو المتضرر الأول.
وللتدليل الرمزي على حالة الاختلاف فإن الدول التي تزعم أنها تحارب “داعش” تستخدم رسمياً ستة أسماء، ونأمل ألا يظهر لنا اسم سابع فحينها تصبح كالقطط بسبعة أرواح.