كتب هاني النقشبندي مقالاً في «إيلاف»، 25 ـــ 10، وجدته معبراً عما بداخلي. وعندما كتبت ما يماثله اتهمت، من أقرب وأجمل الناس، بالطائفية!
«.. كان المسيحيون الأقلية الثانية في العراق بعد اليهود، حتى منتصف القرن العشرين. وأدركوا بعض المناصب العالية، ولكن الصورة لم تلبث أن تغيّرت، وأصبحت طموحاتهم اليوم لا ترقى الى نصف ما كانت بالأمس. مع ذلك، بقوا افضل حالا، حتى الآن على الأقل، من الآخرين، وهم الشيعة.
فهؤلاء عاشوا شبه مهمَّشين، حتى في الدول التي تجاوز وجودهم فيها مسمى الأقلية، كلبنان مثلاً. مما دفع بهم الى الهجرة للخارج بحثاً عن حياة وكرامة. عاد أكثرهم كأصحاب ثروات ومهارات، ومع أنهم أقلية تجنح دوماً إلى المهادنة. إلا أن عزلتهم زادت، وساهمت الدعاية المباشرة او غير المباشرة، في النيل من قدرهم، باعتبارهم بثرات مؤذية وجب التخلص منها، وعزلها عن باقي الجسد، وبذا ساهمنا، بقصد او بغيره في دفع الكثير منهم باتجاه بوصلة إيران، التي تدعي حماية الشيعة في العالم.
الشيعة في العراق، في السعودية، في لبنان، في سوريا، وفي اليمن، كانوا دوما جزءا من وطنهم وترابه، الذي منه أتوا وإليه سينتهون.. لكننا أوغلنا في الخطأ، فلم نلبث ان تجاوزنا تهميشهم الى التشكيك في وطنيتهم!
إن نظر بعضهم إلى إيران، انتظارا لعطف أو دعم، فما ذاك سوى النتيجة، أما السبب فهو نحن، ونكرر الخطأ.
فكثير من الدول العربية، حتى التي عرفت بالاعتدال، باتت تأخذ موقفاً من كل شيعي اليوم بحجة الأمن. فهو ممنوع من الدخول وممنوع من العمل، أين يذهب إذا؟ والحائط الذي شيدناه بيننا وبينهم لايزال يرتفع.
نعم، من حق كل دولة الدفاع عن أمنها. لكني أرى اليوم أن جزءاً من هذا الأمن هو كسب ولاء الشيعي العربي من دون إبداء الشك فيه، وخلق حالة من الريبة تفاقم الوضع سوءاً. كثير من الحكومات العربية تفترض سوء النية حتى في مواطنيها العاديين، فبات المواطنون بكل تنوعاتهم يفترضون سوء النية في كل من اختلف معهم في كلمة أو رأي او تاريخ.
تخيلوا شابا عربيا شيعيا يحمل مؤهلاً جامعياً لا يجد وظيفة في أي دولة عربية أو خليجية، ماذا نتوقع منه؟
في الغرب، يدفعون مالاً للعاطل، ليس حباً فيه، بل خوفاً من خروجه على القانون. ونحن نغلق باب الرزق أمام الشيعة، حارميهم من الحياة الكريمة.
لا بد من برامج توعية حقيقية تعزز مفهوم المواطنة. لا بد ان تصل الرسالة واضحة الى كل فرد عربي منذ ولادته، تقول له ان من يختلف عنا مذهبيا، ليس عدوا، ولا خصما، بل هو مواطن أولا وأخيرا. وحتى إن لم يكن من أبناء الوطن، فهو عربي مسلم، وإن اختلف معنا في رؤيته للتاريخ. عندما تحرم ابنك من رعايتك، فلا تتوقع ان ينشأ، وهو يحمل لك الذكرى الجميلة.
نحن نقدم خدمة جليلة لإيران، خدمة عظيمة، عندما نمدها بوقود تريده أن يشتعل في أرضنا. ليكن هذا الوقود لنا لا علينا. ليكن أبناؤنا لنا لا لغيرنا. وإن ارتأى البعض ان الوضع في اليمن وسوريا، والعلاقة المتوترة مع إيران، تحتم التحوط والحرص من شيعة العالم العربي، فأنا أقول انه الوقت الأمثل لنكون أكثر حبا وكرما مع شيعتنا العرب مهما اختلفنا عنهم مذهباً ومعتقداً». (انتهى).