غداً (الأربعاء) هو يوم ذكرى صدور الدستور الكويتي، الذي قصد منه الانتقال لدولة عصرية يسودها القانون وتديرها المؤسسات، والسيادة فيها للشعب في الوقت الذي يحفظ للأسرة الحاكمة مرجعيتها في إمداد الدولة بمنصبي الأمير وولي العهد، وهو توازن فريد بين الشعب والأسرة الحاكمة من جهة، وبين السلطات العامة الثلاث وبين الرقابة عليها برلمانيا وشعبيا من جهة ثانية، وبين بناء المؤسسات في ظل هيمنة القانون من جهة ثالثة، وبعد مضي 53 عاماً على صدور الدستور، فهناك ملاحظات تستحق التسجيل.
أولاها: أن الدستور ــ وبكل أسف ــ استُخدم أحيانا من أطراف عدة ــ ولا تزال ــ سواء كانت في الأسرة الحاكمة أو التيارات السياسية أو رموز أو أعضاء في البرلمان، ربما وسيلة للاستفزاز السياسي، من خلال ترديد بعض مبادئه بصورة انتقائية بعيدا عن تكاملها، أو من ادعاء التمسك به، مع أن تلك الأطراف تسعى الى تطويع مبادئ ونصوص الدستور، ربما لأهوائها السياسية بتفسيرات تتوافق مع ممارساتها الخاطئة، والأسوأ أن كل طرف يسعى إلى اتخاذ مستشار قانوني ليفتي له بما يريد أو يوظف سوابق وتفسيرات شاذة حتى تلبي رغباته المنحرفة.
وهو ما ينبغي أن نحرص على أن تكون قراءة الدستور وفهمه وتفسيره للمختصين، وبقواعد وأصول علمية وفقهية معروفة، وليست آراء ارتجالية ممن يكون موظفا، قد يكون مأجورا أو مأمورا، أو ليس لديه من علم الدستور سوى شهادة مجردة.
ثانيتها: أن هناك جملةً من الممارسات الحكومية والبرلمانية المخالفة للدستور التي كرّست، أحياناً، مفاهيم خاطئة في موقع بعض أبناء الأسرة الحاكمة في المراسم الرسمية، فجعلت لهم أسبقية على أعضاء السلطتين التشريعية والتنفيذية خروجاً على الدستور، أو في توليهم مناصب قيادية لا ينبغي لهم توليها، أو في أسلوب تشكيل الحكومة أو طريقة إدارة العمل التنفيذي، وفقدان مفهوم هيمنة مجلس الوزراء عليها أو دور، وسلطات كل وزير، بعيدا عن الحكومة أو تكريس الوزير الموظف الذي يسعى الى إرضاء رئيسه، أو في ممارسات انتهازية لأدوات الرقابة البرلمانية، واستغلال العضوية النيابية لمصالح شخصية وابتزاز سياسي رخيص للتكسب المادي، وطغيان الشخصانية على السلوك البرلماني لغياب العمل السياسي المنظم، أو انحراف بتمثيل الأمة وتمثيل مصالح أجنبية كافية لإسقاط العضوية.
وثالثها: وجود عدد غير قليل من القوانين المستنزفة للقيم الدستورية أو غياب أخرى لازمة لتكاملها معه، ومثال الأولى قانون الدوائر الانتخابية، الذي يهدر مفاهيم المواطنة والانتماء للوطن، ويغرس مفاهيم الفئة والطائفة والقبيلة والمنطقة، بدلا من التمثيل النسبي العادل ودمج المواطنين في كيان واحد.
ومنها أيضاً قانونا المطبوعات والنشر وقانون المرئي والمسموع، ومشروع قانون البث الإلكتروني والتي تنطلق من نظام منع الحرية بفرض القيود المسبقة، خلافا للدستور.
أما أمثلة الفئة الثانية فمنها غياب قانون ضبط السلوك البرلماني، وغياب قانون مخاصمة القضاء وفصل رئاسته وتداول مناصبه العليا، وغياب قانون تنظيم الأحزاب السياسية، وغياب قانون حرية تداول المعلومات العامة، ووجود قانون معيب للمحكمة الدستورية ـــ رغم جوهرية التعديل الأخير بفتح باب الدعوى المباشرة للأفراد ـــ وأخيراً، وجود قانون مشوّه للمحكمة الإدارية.
فمرور الذكرى تلو الأخرى ينبغي أن تكون سببا لشحذ الهمم في الحفاظ على الدستور والتمسك به، تحقيقاً لغاياته، ولتصحيح الممارسات الخاطئة، ولإكمال بنائه، ونشر ثقافته، وينبغي ألا يغيب عن الجميع أن هذه الوثيقة إحدى ركائز استقرار الدولة، ومدخلاً للالتقاء والتوافق أمام عاديات الدهر، وهو ما أثبتته التجارب الواقعية، وليس الكلام النظري.