لا يملك الكويتي، الذي يزور دبي أو يأتي ذكرها أمامه، إلا مقارنة وضعها بوطنه. فمن الصعب تجاهل ما أصبحت عليه دبي من تقدُّم أمني واقتصادي، ولكني غالبا ما انحاز، في أي نقاش الى الكويت، على الرغم من إقراري بما أصبحت «تتمتع» به من تسهيلات ومغريات وبنية فوقية وتحتية، جعلتها مدينة «استثنائية».
نعم، هناك قصور خطير في الإدارة الحكومية الكويتية. كما لدينا فساد وخراب ذمم، ولدينا مشاريع معطلة، ولدينا نقص في الخدمات، مقارنة بما في دبي من مطارات وموانئ بحرية وشركات طيران وفنادق ومنتجعات وأنظمة نقل جماعية متطورة، وحريات اقتصادية وأنشطة ترفيهية، وكل الأشياء الجميلة الأخرى التي نفتقدها!
وسبب انحيازي للكويت لا علاقة له بالوطنية، بل لاعتقادي أن المباني والمطارات والهياكل الخرسانية والبنى التحتية والبيئة الاجتماعية المنطلقة، والحريات الاقتصادية والعامة أمور في منتهى الروعة، وتجعل من أي مدينة، ودبي بالذات، مقصدا، ولكن الإنسان لا يحيا فقط بها، بل هو بحاجة الى الشعور بالاطمئنان، وبالاستقرار، إضافة إلى الحرية في القول والحركة والتصرف.
قد لا نصبح يوماً «دبي» أخرى ـــ ولن نكون ـــ ولكننا في الكويت ننام من دون قلق، ولا نفكر كثيرا في ما نقول، نعمل ونحن على ثقة بأن هناك قضاءً، ونشتغل ونحن على ثقة بأن «متنفّ.ذاً» لن «يتسلبط» على شركاتنا أو وكالاتنا.
أقول ذلك ليس لأن دبي بها مثل هذه الأمور، فقد عشت وعملت فيها لفترة، فوضعها الأمني أفضل منا بكثير، وشيوخها لا يتدخلون في شيء، ولكن دبي حتما ليست الكويت بدستورها وبتشريعاتها، فهي،
يا أحبتنا في دبي، «غير»!
فبعد التحرير مثلاً، كان أكثر من نصف التجارة والصناعة والمقاولات في الكويت بيد غيرهم، ونسبة كبيرة من هؤلاء لم يسمح لهم بالعودة الى الكويت بعد تحريرها من صدام، بسبب وقوف حكومات دولهم معه. ولكن يمكن القول ـــ بشكل عام ـــ إن لا أحد تقريباً من هؤلاء خسر حقه مع شركائه، وهذا ما لا تجده في أي دولة في العالم!
نقول قولنا هذا، ونستدرك، محذّرين من اننا اصبحنا في طريقنا الى فقد ما كنا نفتخر به، وما كان يميزنا عن محطينا. واننا بدأنا ننزلق الى دولة تبتعد كل يوم عن القانون، وهذا ما دفع، ليس فقط الأفراد، بل مجاميع كبيرة من المواطنين والموظفين الى نهب ما يمكن نهبه، وكأن الأمر أصبح «مخامط»! فكيف يمكن قبول تحويل مئات الموظفين، دفعة واحدة الى النيابة؟ وكيف يقوم عشرات آلاف المواطنين بالاشتراك في حالات نصب واحتيال وسرقة مال عام جماعية، وهم من يوصفون عادة بـ«المسالمين والطيبين»؟! هذا وضع غير طبيعي، وتبعاته ـــ لا شك ـــ خطيرة.
نعيد ونقول إننا لا نريد أن نصبح «دبي» أخرى، بل جُلّ ما نريده هو أن تعود إلينا الكويت كما كانت، بلد الدستور والقانون.