بل فعلتها للمرة العاشرة. فخلال السنوات القليلة الماضية أثبتت تونس، تونس بورقيبة، انها بالفعل شيء آخر، وربما تكون الآن أقرب الدول العربية للديموقراطية الصحيحة، مع الاحترام للأنظمة الأخرى. فقد تقدمت تونس، ونهضت وخرجت شبه سالمة من الحفرة التي وجدت نفسها فيها مع ليبيا واليمن وسوريا والعراق، وحتى مصر! وشخصيا سررت، وإن لم أفاجأ، لحصول أربعة أحزاب سياسية تونسية على جائزة نوبل للسلام لهذا العام، لما قامت به من جهود عظيمة في التخلص من إرث عهد زين العابدين بن علي السابق، ووقف الحرب الأهلية، وتلجيم القوى السياسية الدينية، وعلى رأسها الإخوان، وجعلها تتصرف بطريقة أكثر ديموقراطية وأقل دكتاتورية دينية، والقبول بالآخر، من خلال ترسيخ الديموقراطية وتجذيرها.
نعم، نجحت ثورة الياسمين يوم جلس الليبرالي والعلماني التونسي مع رؤساء أعتى الأحزاب الدينية ليتباحثوا في مستقبل وطنهم، واضعين خلافاتهم السقيمة خلفهم، وهي الخلافات التي طحنتهم، وكادت أن تحرق وطنهم على مدى السنوات الأربع الأخيرة المضطربة التي تلت سقوط نظام الدكتاتور ابن علي في ثورة شعبية، فقد الكثيرون أرواحهم فيها.
والسؤال هو لماذا فشل اليمنيون فيما نجحت فيه تونس؟
ولماذا فشل لبنان وشعبه المتعلم في أن يبلغ مرتبة تونس في وضع الخلافات جانبا والعمل من أجل الوطن؟
ولماذا فشلت سوريا والعراق، وغيرهما من الدول العربية في أن تبلغ مرتبة تونس؟
الجواب يكمن في التقاليد العلمانية التي رسخها الرئيس الحبيب بورقيبة، فليس هناك من طريقة للقضاء على خلافاتنا العقائدية والنفسية والعنصرية والعرقية بغير قبول كل طرف للطرف الآخر، على قدم المساواة، والعمل من أجل الوطن، فمتى ما ذهب الوطن ذهب كل شيء معه. ولكي تعرف معنى الوطن اسأل الفلسطيني، اسأل المهاجر العراقي والمهاجر السوري، والكويتي، عندما سرق صدام وطنه لسبعة اشهر!
نعم، علمانية تونس وانفتاحها التاريخي هو الذي مهد الطريق لاستقرارها. ولا يمكن اليوم تخيل أن تحرز اي دولة تقدما «حضاريا» بغير فصل الدين عن السياسة والسياسيين، وإعطاء قيصر ما له، وما للرب للرب! فسبب غالبية، إن لم يكن كل مشاكل عالمنا العربي والإسلامي تعود للتطرف الديني السقيم والخطير، والذي لا مخرج منه بغير علمانية ليبرالية واضحة.