إذن فاز حزب “العدالة والتنمية” الحاكم في الانتخابات البرلمانية التي شهدتها تركيا. وأحدث وللمفارقة فوز أردوغان، شأن كل انتخابات تركية، نوعا من الجدل العربي، وهي غالبا آراء لا معنى لها. فمنهم من احتفل بفوز حزب “العدالة والتنمية” كما لو كان انتصارا رمزيا وكيديا إسلامويا يمثله أردوغان وحزبه. آخرون على طرف نقيض رأوا في الفوز قلقا من الرمزية نفسها وهي الإخوان المسلمون. إذن فأغلب من فرح ومن استشاط غضبا، فكر في الرمزية نفسها على المسرح التركي كما لو كان الأمر تشجيعا كرويا لا أكثر. تشجيعا سطحيا يفصل بين انتصارات الحزب في الانتخابات وعلمانية الدولة التركية، أي تشجيعا بمعزل عن النظام السياسي التركي.
تركيا دولة علمانية بنظام يقوم على أساس الفصل بين الدين والحكم، فالدستور التركي ينص في المادة الثانية على أن تركيا “جمهورية علمانية ديمقراطية”. هذا يعني أنه لا يحكم أي حزب باعتباره حزبا “دينيا” بل حزبا يصل إلى الحكم عن طريق الانتخابات، وهو ما أكدت عليه الفقرة الـ 24 من الدستور التركي، التي تمنع استخدام الدين لتحقيق منافع شخصية أو سياسية. إذن وببساطة، تركيا بنظامها العلماني هي التي مكنت حزب العدالة والتنمية وزعيمه أردوغان من الفوز في الانتخابات وتشكيل الحكومات، تماما كما مكنت سلفا عددا من الأحزاب ذات التوجهات اليمينية أو اليسارية أو القومية. النظام العلماني لا يفرق بين فكر سياسي وآخر طالما احترم النظام والدستور، وهذا يختصر المسألة.
يبقى الأهم بالنسبة لنا ولمصالحنا من هذا الجدل هي سياسة تركيا الخارجية. لا شك أن تركيا دولة لها وزنها الإقليمي والدولي، وبالتالي لها تأثيرها الحيوي في المنطقة.
انعكاسات فوز أردوغان ليس فقط على الداخل التركي، وانما على الوضع الإقليمي وملفاته الشائكة أيضا. فقد كان لنتائج انتخابات حزيران (يونيو) الماضي، والتي خسر فيها العدالة والتنمية أغلبيته البرلمانية، بعض التداعيات على السياسة الخارجية. إذ تحت ضغط الانتخابات المبكرة وحكومة تسيير الأعمال ربما علقت بعض الملفات المشتركة، تلك التي تحتاج إلى استقرار ملائم لكي تواجهها تركيا بحكومة حاسمة ومستقرة.
ومن جانب مهم لنا كسعوديين وخليجيين من قراءة المشهد السياسي فهو أن هذا الفوز سيعزز من دون شك محورا إقليميا جديدا في المنطقة يهدف إلى إعادة التوازن وتحجيم التدخل الإيراني في العراق وسورية واليمن ولبنان. موقف أردوغان القوي بصفته شريك مهم في مواجهة قضايا أقليمية شائكة هو أمر محوري. الوضع المعقد في المنطقة لا يمكن مواجهته دون تحالف حقيقي ومن قوى إقليمية مؤثرة. وفوز أردوغان يمثل استقرارا لهذا التحالف المهم والموقف المشترك من قضايا إقليمية. يبدو ذلك في الموقف المتطابق للدول الثلاث خلال محادثات فيينا الأخيرة حول الملف السوري. وتبقى القطيعة بين تركيا ومصر أمرا يحتاج إلى التحييد وربما المعالجة في المرحلة المقبلة، وذلك للتركيز على الملفات الأكثر اشتعالا في المنطقة. أدوار كل من تركيا ومصر معا حيوية في هذه المرحلة العصيبة.