في مقابلة مطولة مع وكالة الأنباء الألمانية، صنّف الأخ الفاضل وزير العدل ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويت كدولة ملائكية منزهة من كل أشكال العيوب والمؤشرات السلبية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وفكرياً، ومن حقه كواجهة رسمية للحكومة أن يعكس صورة جميلة عن بلده في الإعلام الخارجي، بل يتمنى كل مواطن كويتي أن تكون الحال في الكويت بما عبّر عنه صديقنا العزيز يعقوب الصانع، خصوصاً أنه نائب وصل إلى البرلمان والوزارة من رحم المجلس، ولكن ليسمح لنا السيد الوزير بأن نقول له “ودنا نصدّق… بس قوية”!
أفاد السيد الوزير بأن الكويت دولة قانون ومؤسسات ولا وجود فيها للطائفية! ولا أدري في أي قاموس يأتي سياق هذا التعبير، فالوزير نفسه يضيف فوراً بأن وزارته عمدت إلى تغيير الخطاب الديني لنشر الفكر الوسطي، وهذا بحد ذاته أبلغ دليل على تفشي الطائفية في الكويت حتى العظم، دعنا من حالة الغليان خلف وسائل التواصل الاجتماعي والتراشق الطائفي اليومي أمام عين الوزير في مجلس الأمة، ومئات القضايا التي تنظر فيها محاكمنا اليوم بتهم الطائفية البغيضة!
أما نفي الوزير وجود أفراد أو جماعات تقوم بجمع الأموال أو تجنيد الشباب للالتحاق بالعصابات الإرهابية حول العالم، فلا شك أنه مجاز دبلوماسي لعدم تهييج بعض التيارات المتطرفة، فتصريحات بعض المشايخ والتباهي بجمع الملايين لتمويل الجماعات المتشددة وإرسال الشباب لتنفيذ عمليات انتحارية في سورية والعراق هو الرد المناسب على هذا النفي، إضافة إلى القوائم الدولية ومنها الأمم المتحدة التي أوردت أسماء بعينها بمثل هذه التهم!
القصة القوية الأخرى في مقابلة السيد الوزير هي عدم وجود سجناء للرأي في الكويت! وكأن من هم خلف القضبان من نواب سابقين ومغردين أو ناشطين سياسيين، ناهيك عمن شملهم العفو الأميري ويتجاوز عددهم المئة شاب وشابة، يحاكمون أو يقضون فترة العقوبة في السجن بتهم تجارة المخدرات؟!
أما الموضوع الذي يوضع في كفّة وكل ما قيل عن التطرف والإرهاب والحرية السياسية في كفة، فهو موضوع الفساد، وما قاله السيد الوزير بأن المعارضة هي التي تثير قضايا الفساد بكثير من المبالغة ودونما دليل واضح وملموس فهو أشبه بالنكتة السياسية، لأن الفساد بشقيه الإداري والمالي متلازمة كويتية وموروث تاريخي لا يمكن إنكاره، ولعلنا جميعاً نستذكر كلمة سمو الأمير الشهيرة عندما قال بأن “فساد البلدية لا تحمله البعارين”!
بطبيعة الحال إن الفساد الكويتي الموثّق في سجلات ديوان المحاسبة وفي لجان التحقيق البرلمانية، بل في لجان التحقيق الوزارية والمنظورة أمام النيابة والقضاء، والتي عكستها مؤسسات محاربة الفساد والشفافية الدولية ووصلنا فيها إلى الحضيض خليجياً وعربياً وعالمياً، لا يمكن إنكارها، وقصص النهب وهدر المال العام الكويتي قد لا تستوعبها حكايات ألف ليلة وليلة، وباتت “حزايات تالي الليل” التي ترويها الجدة للأطفال! باختصار لا أعرف ماذا تركنا بعد كل هذا التلميع من مجد لدول مثل النرويج وفنلندة؟!