“يكتبون في الإعلام فليكتب من يكتب، لكن أي شيء تشوفون له أهميته الأخرى فأهلا وسهلا، التلفون مفتوح والأذن مفتوحة والمجالس مفتوحة”. كان هذا جزءا من حديث الملك سلمان بن عبد العزيز – حفظه الله – في اللقاء الموفق مع مجموعة من الإعلاميين والمثقفين من كلا الجنسين. تأتي هذه الكلمات فيما تواجه المملكة نوعا من المواجهة الإعلامية الدولية، تسعى غالبا إما للتأثير سلبا في مجملها في الصورة العامة أو الضغط في شأن قضايا لها علاقة بمنظمات دولية. السؤال الأهم هو هل ما تقوم به الصحافة الغربية حملة فعلا؟ يحتاج ذلك إلى بحث جاد وقياس لذلك، ولا سيما أن الصحافة الغربية قوية التأثير سواء كان ذلك مقصودا أم غير مقصود، منظما متواترا أم ردود فعل فقط.
عام 2005، زارت كارين هيوز مستشارة جورج بوش الابن، في جولة شرق أوسطية، السعودية ومصر وتركيا، ضمن ما أسميت بـ “دبلوماسية عامة” حينها، بسبب ردود الأفعال ضد ممارسات الولايات المتحدة في المنطقة والاحتقان من احتلال العراق والوضع في فلسطين وأفغانستان وغير ذلك من أخطاء السياسة الخارجية الأمريكية، أو سوء فهمها ربما. كان ذلك أعقاب 11 أيلول (سبتمبر)، وكان السؤال العام في أمريكا لماذا يكرهوننا؟ من الجواب ينطلق التحدي. وقد كانت الحملة تتجه إلى صناع السياسة والقرار والمؤثرين غالبا في أمريكا والدول المعنية، لأنها تعتقد أن القوة الناعمة لأمريكا مؤثرة أيضا.
العرب غالبا لا يكرهون الثقافة الأمريكية الرائدة وإسهاماتها العلمية والتقنية العظيمة في هذا العالم، بل ربما يكرهون بعض سياساتها الخارجية. الأمر ذاته ينطبق على إيران. إيران كانت الموسيقى والفن والسينما والسجاد والمطاعم والفتيات الجميلات، لكن ذلك ينسى تماما ولم تشفع لها سياستها الخارجية المخربة وميليشياتها وولاية الفقيه، حتى سياستها الداخلية القمعية أيضا. ولا ننسى أن إيران غادرها كثير من أدبائها ومفكريها وفنانيها بسبب القمع الداخلي. حملات إيران وعلاقاتها العامة الغربية قد تسوق لها مشروعا ما لدى صناع قرار محددين، لكنها لن تنجح تماما في تسويق سياسات إقليمية. أصبح مجرد ذكر إيران يثير الحساسية وكما لو كانت alien مرعبة تأتي من كوكب آخر. مع اختلاف الأمر، يذكرني الأمر أيضا بالصورة التركية في المجتمع العربي والخليجي، فمسلسلاتها المدبلجة الشهيرة كانت القوة الناعمة التي رصفت الجسر لا سيما إلى الثقافة السعودية تحديدا. لكن موقفا واحدا لعائلة سعودية في مطار تركي أثار الرأي العام بحدة. صناعة الكراهية أسهل بكثير من صناعة الحب.
يظن الكثيرون أن العلاقات العامة التقليدية بإمكانها أن تفعل المستحيل، وأن تغير المواقف والآراء والصور. هذا حرفيا فهم مختلط، فالوظيفتان الرئيستان لاستراتيجيات الاتصالات والعلاقات العامة، لا سيما السياسية منها، هما بناء الصورة وإدارة السمعة، ومن بين ذلك بطبيعة الحال أدوات إدارة الأزمة. وقد تحتاج العلاقات العامة الدبلوماسية حتما إلى فهم مختلف عما قبل، فالعقلية المحلية والعالمية أكثر ذكاء وفهما ومخاتلة عن ذي قبل.
مراكز الأبحاث والدراسات، غالبا ما تقيس مدى الغضب ومن ثم العمل على تحسين الصورة من خلال استراتيجيات غير تقليدية وغير مقبولة. والإعلام بطبيعة الحال إحدى أهم وسائلها، لا سيما إذا ما تداخلت القوة الناعمة مع الخشنة. نجد ذلك في كل من سياسات التأثير والضغط وفي صناعة البروباجاندا. أبزر مثال على ذلك الآن هو البرروباجاندا الإعلامية التي تقدمها الصحف الأمريكية حول سياسة بوتين والتدخل الروسي في سورية، أو حتى في العودة إلى الوراء نجاح حملة أوباما الانتخابية في الإعلام. الاتصال السياسي والدبلوماسي عالم مثير ومعقد. لكن يبقى بناء الصورة وإدارة السمعة الجانب الأهم في تشكيل الرأي العام الدولي من خلال الإعلام والأدوات المساعدة.