في النطق السامي بمناسبة افتتاح أعمال مجلس الأمة اختار صاحب السمو الأمير ثلاثة موضوعات صعبة ليصارح بها المواطنين وهي الوحدة الوطنية، والوضع الإقليمي الملتهب، والتحديات المالية القادمة في ظل تراجع أسعار النفط، وهذه بلا أدنى شك قضايا مستحقة وخطيرة ولعلها حاضرة في عقول معظم الكويتيين، ولكن تركيز سمو الأمير عليها وفي محفل رسمي وعلني يزيدها أهمية، بل يجعلها محاور ارتكاز في سياسة الدولة خلال المرحلة المقبلة.
بدون الدخول في تفاصيل كل من هذه المواضيع، واكتفاءً بالدلالات الرئيسة التي أوردها خطاب سمو الأمير، ومكامن الخطورة في كل منها، ننتقل إلى المسؤولية المجتمعية إزاء كل تحد من هذه التحديات، فالطائفية والفئوية ومخرجاتها التي انتهت بالإرهاب وشق الصف الوطني، وتحوّل الأمر إلى ما أطلق عليها الأمير بالوباء، تقع مسؤوليتها على وجهاء كل مكوّن مجتمعي أو علية القوم فيها، فقيادات القبائل وكبار رجالات الطوائف وعمداء العوائل الكويتية هم الأولى بالتصدي لشواذ أبنائهم، ولجمهم وفق الأعراف الكويتية إذا تعرضوا لبقية المواطنين بالإساءة المغرضة وبث سموم التفرقة، وفوق ذلك كله يجب أن يكون القانون والقصاص لهم بالمرصاد.
في المقابل فإن رموز القوى الوطنية والسياسية يفترض أن يتصدوا للأحداث الإقليمية وإفرازاتها بحكمة وحنكة سياسية واضعين مصلحة الكويت وانكشافها الهش فوق كل اعتبار، وليس كما نرى البعض من هؤلاء يتعمدون إقحام ما يجري على الساحة الإقليمية وانعكاساتها في الشأن الكويتي، وصب الزيت على النار وتأجيج الوضع المحلي، إما قصوراً في الفهم أو تسلقاً على عواطف الناس لنجومية شخصية أو لمصالح انتخابية أو مواقع عليا في الدولة.
أما التحديات الاقتصادية فقد تكون أم المصائب في ظل استمرار أسعار النفط بالتراجع وفقدانه لأكثر من 60% من قيمته خلال فترة وجيزة، وأثر ذلك على الموازنة العامة وخطط الدولة المستقبلية، ونتيجة لذلك فقد تضطر الدولة إلى اتخاذ قرارات تقشفية قاسية يكون ضحيتها المواطن البسيط، وهنا تقع المسؤولية الكبرى على السلطات الدستورية ومتولي قياداتها وصناع قرارها، وبدلاً من الخروج من حالة العقم السياسي في تنويع مصادر الدخل ووقف الهدر والتصدي لكبار سراق المال العام فإنهم يستقوون على أضعف شرائح المجتمع، وبأسهل الوسائل للتعويض عن فشلهم وعجزهم عن إدارة شؤون البلاد بإخلاص واقتدار.
إن شعار السمع والطاعة المزيف والرخيص لولي الأمر والمتاجرة فيه، لم يعد مقبولاً أو حتى السماح له بالاستمرار كنفاق سياسي ومجاملة اجتماعية، وإن التدافع في المناسبات والمحافل الرسمية التقليدية لأصحاب البشوت من كبار القوم المعنيين بمثل هذه المواضيع الصعبة التي وردت في كلمة سمو الأمير، ورزّ أنفسهم في المواقع الأمامية حول القيادة السياسية يجب أن يوقف عند حده إذا كان همّ هكذا وجهاء مجرد الجاه والكشخة في العلن، في حين هم رأس الفتنة أو صناعها في الخفاء، فليس بهذا النفاق المشروخ تصلح الأمم وتضمن لها أي مستقبل واعد!