بلمح البصر، تسارعت الأحداث، وتضخمت، حتى وصلنا إلى هذه الحالة. فقبل سنوات كان للسؤال البرلماني شنة ورنة، وكانت الصفحات الأولى في الصحف تنشر السؤال البرلماني وإلى جانبه صورة النائب السائل والوزير المسؤول.
ثم انتقلنا، بسرعة، إلى المرحلة التي تليها، فأصبح التهديد بالاستجواب يعادل التهديد باستخدام القنبلة النووية… يُصاب الوزير، جراء التهديد باستجوابه، بإسهال شديد وتلبك معوي وتقرحات في حدقة العين اليسرى، غالباً. وكان البلد يقف على قدم واحدة، وقيل بل يقف على يديه، ويحبس الناس أنفاسهم، فتكاد تسمع، في ليلة الاستجواب، صوت مواء القطة في منطقة الشويخ السكنية وأنت في الصباحية قطعة واحد، خلف الصحة المدرسية.
وكانت مدرجات قاعة البرلمان تفيض بالحضور فيضاً عظيماً، وكانت الصحف تسهر ليلة الاستجواب استعداداً لتغطية هذا الحدث الجلل، وكانت بقية الأخبار تختفي، أو تتضاءل، حتى لا تكاد تُرى، في حين تمتلئ الصحف بمئات الصور لنواب البرلمان. فعلى مساحة صفحتين نرى تعبيرات وجوه النواب، وعلى مساحة صفحتين أخريين نراهم أثناء نقاشاتهم الجانبية وقوفاً في مجموعات، وفي صفحة خامسة نقرأ “ملاحظات ومشاهدات من دهاليز الجلسة”، وفي صفحات عديدة نقرأ تفريغاً لكلام النائب وردود الوزير عليه، وهكذا.
ثم انتقلنا إلى مرحلة أخرى، فأصبح استجواب الوزير الواحد “ما يعشّي الطير”، فارتفع شعار “حلاة البيع جملة”، ثم وصلنا إلى مرحلة يخجل النائب فيها أن يعلن استجواب وزير عادي، بعد أن اكتشف الناس أن الوزراء غلابة، وأن تعيينهم جاء “لتكتمل الصورة”، فقط، بالفاء والقاف والطاء، والطيء أحياناً.
والآن وصلنا إلى مرحلة يضحك فيها الناس على من يتقدم باستجواب إلى رئيس الوزراء، ليقينهم أن ما يحدث ليس إلا مسرحية كوميدية، تخلو من الملح والنكهة، الأمر الذي لا يجذب مواطناً واحداً لحضور الجلسة، ولا يغري الصحف للحديث عنه، فتكتفي بالإشارة إلية في صفحة داخلية.
وقريباً قد نصل إلى مرحلة يحرص فيها النائب ألا يعرف الناس أنه نائب، حفاظاً على سمعته وسمعة عائلته.
شمعنى اخترت شويخ السكنية.. احسها مدفونه هههه