ربما الخبر الأكثر إثارة أخيرا هو أنه للمرة الأولى منذ عام 2007، لن يكون هناك وجود لحاملة طائرات أمريكية، على مدى أشهر قادمة، في الخليج العربي. إذ تغادر الحاملة “يو إس إس ثيودور روزفلت” قريبا. وقد نشرت صحيفة “الحياة” بالمقابل خبرا آخر حول سعي السعودية إلى ملء الفراغ العسكري بالوجود في منطقة القرن الإفريقي. والموقع الذي اختارته المملكة يعمل على إيجاد حال من التوازن الدفاعي والهجومي العربي في منطقة البحر الأحمر، ويضيف إلى القدرات القتالية السعودية موقعا متقدما يمكن استخدامه بصفة دائمة في حاﻻت الطوارئ، التي يمكن أن يتعرض فيها الأمن الوطني السعودي لأي تهديد. ولا ننسى في هذا السياق الوجود الإيراني العسكري في إريتريا، الذي أصبح يشكل تهديدا للأمن القومي العربي، خصوصا في منطقة البحر الأحمر والدول المطلة عليه.
قد تثير مغادرة “روزفلت” نوعا من القلق وبعض الشكوك في الحليف الأمريكي. فمن الصعب تخيل الوضع مع كل هذا الكم من تضاربات الأحداث في المنطقة، من بينها الوضع السوري والتردد الأمريكي حياله، و”داعش” والتدخل الروسي في سورية، أو حتى تداعيات الاتفاق النووي الإيراني. لا شك في أن القلق من غياب حاملة طائرات في المنطقة مبرر. إذ هناك احتمالية أن يشجع إيران على زيادة تدخلاتها في الشؤون العربية، أو قد يشجع روسيا على تعزيز نفوذها. لكن وبرغم القلق فإن سبب غياب الحاملة البسيط قد لا يكون سياسيا بحد ذاته. بل هو كما ذكر لأهمية الصيانة المكثفة بعد غياب طويل للحاملة. فتكلفة تشغيل حاملة طائرات واحدة هو مليون دولار يوميا أي 365 مليون دولار في العام. وربما عملية صيانة الحاملة نفسها يكلف أمريكا الكثير، ما يتطلب منها تقليص النفقات، إلى حد صيانة حاملة واحدة في عامين بدلا من صيانتها أشهرا، حيث إن القدرة العملية لحاملة الطائرات هي نصف قرن تتحول بعده إلى خردة.
في الحقيقة يبقى هناك عامل نفسي كبير لوجود حاملة أمريكية، بالطبع إضافة للعامل السياسي في الأمر، وهو تأثير وجود قوة ضاربة في الخليج يمكن اعتبارها أداة دبلوماسية لردع إيران، وطمأنة الخليج بالتزام أمريكا بالتالي، والثقة أن لدى أمريكا القدرة على القرار حال الطوارئ في المنطقة.
لوجود حاملات الطائرات في الخليج رمزية كبيرة للقوة والدبلوماسية الأمريكية التي تنعكس على حلفائها. وقد سبق أن أوقفت “روزفلت” في بحر العرب سفينة تجارية ترافقها عدة سفن حربية من الحرس الثوري الإيراني، ذكر أنها تنقل أسلحة إلى المتمردين الحوثيين في اليمن، إلا أن تدخل الحاملة دفعها إلى العودة.
إذن لا شك أن هناك قيمة استراتيجية لوجود حاملة طائرات أمريكية في الخليج كأداة دبلوماسية لتوفير الاستقرار، وردع التهديدات، وتوجيه الضربات. ويرى مختصون أمريكيون في البحرية الأمريكية أن الغياب المؤقت لحاملة الطائرات هو فرصة لأمريكا ولدول الخليج أيضا لإعادة تقييم الوضع وتقييم مفهوم المناورات التي تقوم بها الحاملات بدلا من ثباتها في المنطقة، فالمناورات تجعل الخصوم غير قادرين على التنبؤ دبلوماسيا وعسكريا. ما يعني أن التزام حاملة الطائرات بدعم حلفاء أمريكا أكثر تشجيعا من وجودها المستمر والثابت في المنطقة. وأن على الجميع إعادة ترتيب الأوراق ومواجهة التحديات بتعزيز القوات الدفاعية والعسكرية. ومن ثم الاستفادة من المخاطر المنخفضة مؤقتا، التي يوفرها الاتفاق النووي مع إيران، لإعداد أسطول حاملات الطائرات لتهديدات أكبر في المستقبل، على الأقل قبل رفع العقوبات عن إيران، وعودة الأموال إلى الخزانة الإيرانية.