أمامي خبران، واحد من الصحافة المحلية هو كل الشغل الشاغل للسلطة الحصيفة، والثاني من الصحافة الأجنبية، والسلطة تتفاعل معه بطريقة أذن من طين وأذن من عجين، خبر الصحافة المحلية ينقل لنا همة ونشاط الحكومة (طبعاً السلطة المشيخية) بعد أن تملكتها وساوس القلق والغضب، من كلمات مثل تعبير عن رأي، مسلم البراك، معارضة، و”سلامتكم”، ولا أعتقد أن هناك أكثر من تلك الكلمات المسببة للقلق في الوعي الحكومي، لذا فالحكومة قدمت تعديلاً لقانون الجزاء، وهو رمز عظيم لحريات الضمير الإنسانية! يعاقب بالحبس أو الغرامة كل من اشترك في تجمع أكثر من خمسة (عقدة الخمسة الأبدية) أمام دور العدالة أو النيابة أو التحقيقات.
يعني إذا تجمع أكثر من خمسة مهمومين بقضايا محاكمات لرموز وطنية أمام المحاكم أو أرادوا متابعتها، كأن يحضروا، مثلاً، محاكمة لمسلم البراك في قضية من عشرات القضايا التي أغرق بها، فهم عرضة للعقاب حسب مشروع ماما وبابا الحكومة، ولو تجمع مثل هذا العدد من عائلة عبدالله البرغش التي ابتليت بسحب جنسيتها بالتبعية وإعدام هوية جمعي، ومصادرة حقوقهم، مسبقاً، وحقوق غيرهم بالطعن بعدم دستورية الإجراءات السلطوية بقضايا الجنسية، فهم أيضاً عرضة للعقاب… ولكم أن تقيسوا الكثير مما يضج ويزخر به صدر السلطة الضيق بالآخر.
الخبر الآخر، أي خبر الطين والعجين، نشرته “فايننشال تايمز” أمس، نقلاً عن “مودي” يقول إن دول النفط ذات الوزن الثقيل، مثل دول الخليج، تواجه عجوزات مالية ضخمة مع تلاشي أي آمال لعودة الأمور لسابقتها قبل تهاوي أسعار النفط، ما سيعني وهناً وضعفاً قادمين لقدراتها الائتمانية، ويضيف الخبر أن كل دول الخليج قدمت برامج للإصلاح لكنها لم تنفذ أياً منها عدا دولة الإمارات العربية التي بدأت رفع الدعم عن المحروقات.
لا أطالب برفع الدعم عن البنزين والكهرباء… بالمطلق فيضار أصحاب الدخول البسيطة، إنما هناك ضرورة لرفع دعم الكهرباء لسعر التكلفة على الأقل للمؤسسات المالية الضخمة المملوكة لأصحاب المجمعات التجارية والمولات ومن هم بثقل وزنهم المالي، مثل هؤلاء الذين صنابير أموالهم وعمولات مناقصاتهم لا يتوقف جريانها بسبب غرق المجتمع في ثقافة الاستهلاك والفساد، كل هؤلاء لن تتأثر أرصدتهم كثيراً، لو ساهموا ولو بقليل من العبء المالي في الدولة، فقد حلبوا منها الكثير… فالحكمة تقول الغنم بالغرم.
أيضاً لن يضار أحد، بل سنستفيد، لو زادت الحكومة من ثمن غالون البنزين قليلاً، ربما ولعل وعسى، يرتدع الكثير من الحمقى والمجانين من الشباب وغيرهم الذين يتسابقون بسياراتهم الضخمة ويتنقلون من حارة إلى أخرى دون أي اكتراث لوجود وحياة الغير، وكأنهم يملكون الأرض ومن عليها، هؤلاء الذين فقدوا الذوق والأخلاق، وغابت عنهم عين القانون، لعلة مزمنة في إدارة القانون بهذه الدولة، لن نخسر شيئاً لو قرصهم بقليل من الألم ثمن غالون البنزين، لربما تخف درجة حماقاتهم وغطرستهم بالشوارع، وننقذ حياتهم وحياة الكثيرين من ضحايا الطرق.
سرحت قليلاً مع أكوام قمامة الأخلاق المتجمعة في شوارع الدولة، لكن ما العمل، مع سلطة لا يشغلها غير ركام حروف مثل مسلم البراك، تجمعات، معارضة… إلخ، بينما غيلان الأيام السوداء تقترب منها يوماً بعد يوم، وسيول الزمن تجري بسرعة، وهي لا في العير ولا في النفير.