تأتي الانتخابات البرلمانية المصرية الأولى بعد تدخّل المجلس العسكري لعزل أول رئيس منتخب، وسط فتور وخيبة أمل باتفاق أغلب المراقبين، وقد تصدّر هاشتاق «محدش راح» موقع تويتر، تعليقاً على ضعف مشاركة الناخبين في أول أيام المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية. وذلك طبيعي، فالأحداث التي شهدتها مصر في السنتين الماضيتين تشير إلى أن مثل هذه الانتخابات لا يمكن التعويل عليها، فهي تأتي كخطوة لإكمال «الديكور» الديموقراطي للمشهد السياسي، بعيداً عن المعنى الحقيقي للإرادة الشعبية، حيث يرى كثير من المراقبين أن هذه الانتخابات تشبه إلى درجة كبيرة انتخابات برلمان 2010 الذي كان أحد أسباب اندلاع ثورة 25 يناير.
هناك معطيات عدة في الساحة المصرية تجعلنا نفهم بشكل جيد حقيقة هذه الانتخابات، ومدى تعبيرها عن خيار الشعب، فمن هذه المعطيات:
1 – تجرى الانتخابات برعاية الجيش، فقد أعلنت القوات المسلحة أن 185 ألف ضابط وجندي تسلموا مقار اللجان بـ14 محافظة، ولا شك أن في هذا الإعلان دلالة قوية على طبيعة الأجواء التي تجرى فيها الانتخابات، حيث يشارك في تأمين هذه الانتخابات كل من: قوات الأمن المركزي، وقوات المنطقة المركزية العسكرية، وعناصر الجيش الثالث الميداني، والقوات البحرية، وعناصر الصاعقة، والمظلات، والشرطة العسكرية، وغيرها وفق ما جاء في بيان المتحدث باسم القوات المسلحة المصرية العميد محمد سمير. ولا شك في أن الانتخابات التي تحتاج إلى هذه القوة لحمايتها سيسهل الطعن في شفافيتها ونزاهتها أمام الرأي العام، لما فيها من تعبير واضح عن حالة انعدام الثقة المتبادلة بين جميع الأطراف وعن مدى عسكرة الدولة!
2 – تأتي هذه الانتخابات في ظل عزوف شبابي واضح، وحالة من اللامبالاة في المشاركة – كما عبّر عنها تقرير لــ«نيويورك تايمز»؛ فالشباب الذين أطاحوا بنظام حسني مبارك بثورة سلمية يرون النظام ذاته يعود بصورة أخرى، ليعيد الأوضاع إلى مرحلة الصفر، أو ما تحت الصفر، وفي ذلك العزوف مؤشر خطير لمستقبل البلاد.
3 – النظام الانتخابي هذه المرة قام بإصداره الرئيس منفرداً، بعد أن آلت إليه سلطة التشريع، حيث قُلّ.صت مقاعد القوائم إلى %20، بينما %80 للمقاعد الفردية، في محاولة واضحة لتفتيت الكتل الكبيرة وضرب الأحزاب وتكريس الفردية التي تسهل عملية الاستحواذ على المجلس.
وأخيراً، تجرى الانتخابات في ظل تواتر تقارير منظمات حقوق الإنسان عن المعتقلين السياسيين الذي بلغوا عشرات الآلاف، بل يكفي القول إن 176 من أعضاء آخر برلمان منتخب بشفافية معتقلون، فضلاً عن أحكام الإعدام التي لم يشهد العالم المعاصر مثيلاً لها، كل ذلك وغيره يجعل من المؤكد القول إن هذه الانتخابات لن تكون أفضل من انتخابات نظام مبارك.. إن لم تكن أسوأ.