يكاد الكذب أن يكون ظاهرة لصيقة في العمل السياسي، ويقول أحد الساسة: “نحن لا نكذب، ولكننا نقتصد في قول الحقيقة”. لأستاذ العلوم السياسية جون ميرشمر كتاب بعنوان “لماذا يكذب القادة” عبارة عن دراسة لظاهرة الكذب في العلاقات الدولية. الكتاب شيق، عرضته على سلسلة عالم المعرفة، الذين تجاوبوا مشكورين لكي أنقله إلى العربية تعميماً للفائدة.
تدور تساؤلات حادة منذ سنوات في بريطانيا عن حجم الكذب والتدليس والتلاعب في الإعلام الذي قامت به حكومة رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير لتبرير مشاركتها في الحرب على العراق، وتشكلت مجموعات ضغط من أهالي الجنود الذين قتلوا أو تشوهوا في الحرب وغيرهم، ونتج عن هذه الضغوط أن تشكّل رأي عام معاد للحرب، وينظر إليها بسلبية شديدة.
ونتيجة لتلك الضغوط تشكلت لجنة تحقيق برئاسة القاضي جون تشيلكوت، للتحقيق في ملابسات المشاركة البريطانية في الحرب، ومن الواضح أن أصابع الاتهام تشير بوضوح إلى ضلوع بلير وطاقمه الإعلامي، وعلى رأسهم أليستر كامبل، في “طبخ” المشهد الإعلامي المفبرك للحرب على العراق. من المؤكد أن الكلفة السياسية على بلير عالية جداً.
ويبدو أن “لعنة العراق” ستظل تلاحق بلير، حيث نشرت “ديلي ميل” قبل أيام وثيقة أميركية يتحدث فيها كولن باول وزير الخارجية الأميركي الأسبق لجورج دبليو بوش عن استعداد بريطانيا للحرب في مارس 2002، أي قبل سنة كاملة منها. وأوضح باول في الوثيقة أن بلير قد تطوع بأن يقوم بفبركة الأحداث إعلامياً لدعم التوجه نحو الحرب، وأن بلير لم يكن عنده أي تصور لخطة ما بعد الحرب.
إذاً هذا ما قاله بلير لباول، بينما كان يصرح في ذات الوقت للإعلام بأنه يبذل مساعي جادة للحل الدبلوماسي، وأنه بإمكان العراق تجنب الحرب إذا سلّم أسلحة الدمار الشامل، والتي لم يكن لها وجود إلا في إعلام توني بلير وأليستر كامبل. بالطبع ما هذا إلا نموذج حديث للكذب في السياسة، أما في منطقتنا فحدث ولا حرج، خاصة في غياب أجهزة إعلام مستقلة وأجهزة رقابية تكشف الكذب.
فهل الكذب جزء أصيل في السياسة؟ وهل لا بد لكل سياسي أن يكذب لكي يمارس عمله السياسي؟ سؤال مفتوح.