بعد غد يصادف ذكرى مرور أربع سنوات على الإطاحة بالرئيس القذافي، وجده الثوار مختبئاً في فتحة “بايب” تصريف للمياه، أمسكوا به ونزعوا لباسه ثم قتلوه، عندها قال المتحدث باسم البيت الأبيض في مؤتمر صحافي “إننا حققنا أهدافنا”، أما وزيرة الخارجية الأميركية، في ذلك الوقت، هيلاري كلينتون، فقد اختصرت الموضوع بكلمة “مات”، وقد كانت الولايات المتحدة قد شاركت القوات الأوروبية في ضرب نظام القذافي، وأقنعت روسيا بعدم التصويت بالفيتو ضد قرار مجلس الأمن “لاتخاذ كل الإجراءات الضرورية” للحفاظ على سلامة الشعب الليبي! (من نيويوركر عدد 12 أكتوبر).
حسب “تلك الجريدة”، التي كتب فيها فيليب غورفيتش مقالاً بعنوان مثير “عالم الفوضى الجديد”، يذكر الكاتب أن أوباما ظل معتقداً بصحة ما قام به في ليبيا، وفق لقائه السنة الماضية مع الكاتب توماس فريدمان، وهو مؤمن بصحة تصفية قيادات القاعدة، وقال متفائلاً “إننا قد مهدنا الأمور في العراق بعد انسحابنا منه، وسنفعل مثل ذلك في أفغانستان”، لكنه أضاف معقباً أن “الدرس الذي يجب أن نتعلمه اليوم، هو ألا نترك فراغاً سياسياً بعد الآن”.
بعد تدخل بوتين، الذي يريد إعادة أحلام المجد السوفياتي بالمنطقة، ترتفع أصوات اليمين من الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة بإلقاء اللوم على الرئيس الأميركي بأن تردده وعدم حسمه للأمور منذ البداية في سورية فتح الباب للمغامرة الروسية فيها، ما يعني مد العمر بنظام بشار أو تثبيته وتصفية المعارضة السورية تماماً.
لو افترضنا صحة مثل هذا الرأي الذي يلوم الرئيس الأميركي على أوضاع سورية، فهل نتخيل كيف سيكون عليه الحال في سورية لو تدخلت أميركا عسكرياً قبل سنتين أو أكثر، وتمت الإطاحة بنظام بشار؟! الحجة للتدخل في سورية قد تبدو أكثر وجاهة بمقياس التدخلات العسكرية السابقة في المنطقة مثل العراق أو أفغانستان أو ليبيا، فنظام بشار لا يختلف في صور قمعه للمعارضين عن صدام كثيراً، رغم أن الحجة للإطاحة بالأخير لم تكن قمعه للشعب العراقي، وإنما لاحتمال امتلاكه أسلحة الدمار الشامل، التي اكتشف في ما بعد أنها كذبة العصر، وإذا نظرنا لواقع العراق اليوم لا نجد دولة العراق، وإنما دويلات متحاربة، تتمثل في واحدة منها دويلة داعش بحفلات قطع الرؤوس، وفي بلد الحكومة الرسمية تضج أطنان من الفساد السياسي والإداري، أما أفغانستان فجماعات طالبان مازالت تسيطر على مناطق كبيرة وتشن غارات ناجحة ضد الدولة، وفي ليبيا يبقى السؤال الآن: هل أصبحت أفضل حالاً بعد القذافي؟! لم تعد ليبيا موجودة، فقد تفسخت تماماً في حروب قبلية لا تنتهي.
بمثل تلك التجارب السابقة، ورغم مرارة واقع حكم الأسد الآن، فإن الخيارات التي تبدو ماثلة أمامنا ستكون أسوأ من تجارب الدول الثلاث السابقة بكثير، فيقولون إن الطبيعة تمقت الفراغ، والفراغ الذي سيملأ مكان الأسد هو دويلات دينية متنازعة، منها على شاكلة داعش وجماعاته، أما حلم حكم الشرعية الدستورية (من غير إضافة نعت ليبرالية) فهو بعيد جداً عن الحقيقة.
لا يبقى في سورية إذن غير الحل السياسي، مع تنازل كل المتحاربين عن بعض مطالباتهم السياسية نحو النظام، ولو كان ذلك يعني بقاء صاحب البراميل المتفجرة في سدة الحكم فترة من الزمن، أو تقسيم سورية، أما استمرار الوضع الحالي، أي بقاء الشعب السوري إما في الشتات وعلى حدود الدول الأوروبية ينتظر فرج الله، أو يظل محشوراً بين براميل الأسد وسكاكين داعش، ولا شيء غير ذلك، فلنقل، عندها، بمنطق اليأس، مع التدخل الروسي إنه “رب ضارة نافعة”.