تأبى قضية فلسطين إلا أن تفرض نفسها على الواقع العربي، كلما شطت به الأحداث بعيدا، لتعيد البوصلة إلى الاتجاه الذي يجب أن تكون عليه، تعود هذه القضية والواقع العربي في غاية الارتباك والتوهان ما بين اليمن وسوريا وليبيا ومصر، والعراق، لتتصدر واجهات الإعلام من جديد مذكرة العرب بضرورة التوحّد، وأنه لا يمكن أن تُحل هذه القضية في ظل تواطؤ وتخاذل عربي، كما لا يمكن أن يكون لهذه القضية أفق للحل وليس للدول العربية مشروع يجمعهم، وإنما هناك مشروعات خاصة في كل دولة يتمحور حول الإبقاء على السلطة الحاكمة والمحافظة عليها، وقمع أي صوت يدعو للتغيير.
تأتي الأحداث المتصاعدة في القدس وفلسطين ـــ والمرشحة لأن تتحول إلى انتفاضة ثالثة ـــ في ظل محاولات شيطنة المقاومة ومحاصرتها عبر الدعوات المتصاعدة والمشبوهة لمحاربة الإرهاب، والتي يُقصد من ورائها تجميل صورة الأنظمة الشمولية في أعين الغرب، حتى لا تتجه للبحث عن أي بديل آخر، أو تطرح سؤال الديموقراطية والإرادة الشعبية، فالأولوية يجب أن تبقى لمحاربة الإرهاب، ولا صوت يعلو فوق صوت الحرب عليه!
في ظل هذه الأجواء تأتي العمليات البطولية التي يقوم بها الشباب الفلسطيني ضد المحتل الصهيوني، الذي يبعث على الأمل أن هذا الشباب الذي فتح عينيه في زمن اتفاقية أسلو عام 1993، والتي اعترفت «بحق دولة إسرائيل في العيش في سلام وأمن»، فعاش هذا الجيل في ظلها كأمر واقع، لكنه رغم ذلك ما زال مستحضرا زيف تلك الاتفاقيات أمام الحق الشرعي في أرضه ومقدساته، خصوصا وهو يرى خيار المفاوضات يتهاوى وينهار على يد من طرحه كحل أوحد، وروّج له كأفضل الخيارات.
تأتي هذه الأحداث بحمد الله خارج نطاق السلطة الفلسطينية التي حملت على عاتقها وأد أي توجه نحو المقاومة، فما زالت هذه السلطة تتعاون مع العدو الصهيوني لاعتقال أبناء فلسطين الذين يرفضون خيار المفاوضات المتهالك، ففي ظل أجواء الانتفاضة التي تعيشها الأراضي المحتلة قامت أجهزة الأمن الفلسطينية في الضفة الغربية باعتقال ثلاثة مواطنين واستدعاء اثنين للتحقيق للاشتباه في أنهم يدعون للمقاومة!
تثبت الأحداث الجارية أنه رغم بؤس الواقع العربي فإنه لا مكان لليأس، فرغم التشاغل العربي عن القضية الأولى، فإنها تفرض نفسها على أيدي شباب مخلصين لم ينخدعوا ببريق الاتفاقيات، أو رنين التصريحات التي تحاول تخذيلهم، وإحباط أي محاولات لاسترجاع الحق الضائع.. هذا هو مصدر الأمل!