تطل علينا مناسبة العام الهجري الجديد لتحمل معها ذكرى عاشوراء وملحمة الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب “عليه السلام” في كربلاء، وهذه المحطة الوجدانية بقدر أهميتها وقدسيتها ومركزيتها في العمق الإسلامي والإنساني، إلا أنها تحولت في أتون التجارة السياسية للدين إلى بؤرة للتوتر والانقسام والاستقطاب المذهبي في العديد من المجتمعات الإسلامية.
مظاهر الاستنفار الأمني وهواجس القلق التي تنتاب المسلمين في مختلف أصقاع الأرض والعمليات الإرهابية التي تستهدف التجمعات الحسينية من جهة، وبعض المظاهر الاستفزازية وأحياناً الكلمات والشعارات التي تلصق بإحياء هذه المناسبة زوراً وبهتاناً من جهة أخرى، تكون الوقود الذي يؤجج مشاعر المسلمين من الفريقين في محفل يفترض أن يسجل تلاحماً لا تصادماً بينهم.
على سبيل المثال، شتان ما بين الاحتفال بيوم عاشوراء في كل من الهند وباكستان، حيث الهند وهي أكبر دول العالم من حيث السكان والتنوّع العرقي والمذهبي تعلن ذلك اليوم عطلة رسمية وحداداً وطنياً تحترم فيه مشاعر المسلمين ويشارك كبار المسؤولين في هذه المناسبة، بينما لا تنجو باكستان المسلمة من الإرهاب والقتل والتفجير فيما بين المسلمين أنفسهم، إنها ثقافة التسامح والتعددية وهيبة القانون التي تصنع مثل هذا الفارق الشاسع لا المذهبية وحرية المعتقد الديني.
بما أننا في بلد مسلم صغير تحاول أصابع الطائفية القذرة النيل منه ومن أهله، وتتحين مثل هذه المناسبة لبث سمومها في الجسد الكويتي الواحد، ونظراً للحالة الأمنية الحساسة التي نمر بها في الفترة الأخيرة، نجد لزاماً علينا الدعوة إلى استغلال واستثمار ذكرى عاشوراء كقيمة إسلامية وإنسانية ووطنية مضافة، وفي مقدمة هذه النصائح تأتي ضرورة التعاون الكامل بين أصحاب المجالس الحسينية وزوارها مع رجال الأمن وأجهزة وزارة الداخلية التي تقوم بجهد دؤوب يستحق كل تقدير وثناء من أجل المحافظة على الأمن والأمان لنا ولبلدنا، واتباع التعليمات الأمنية واحترام رجالاتها ضرورة ملحّة في ظل ظروفنا الحالية.
من جهتهم الشيعة كمواطنين وخطباء ومنظمين للشعائر الحسينية يتحملون المسؤولية الوطنية والأخلاقية لترجمة سيرة الرسول الأكرم (ص) وأهل بيته الأطهار في هذه المحافل المباركة، وإخراج المنبر الحسيني بأبهى صورة تعبر عن مقاصد الشريعة الغراء؛ ليكون موسماً ثقافياً وفكرياً وإثراء حقيقياً في تفسير القرآن الكريم وسنة الرسول الأكرم وأهل بيته، ومعالجة آفات العصر ومشاكله وهمومه لا سيما في أوساط الشباب، وبعيداً عن الاستفزاز المذهبي والتعرض للآخرين.
الإخوة السنّة من جانبهم وكما نعهدهم دائماً لا يقلون جهداً والتزاماً بذكر مآثر أهل بيت الرسول (ص) وعظمة شهر محرم، ويتصدون لضعاف النفوس ممن يستغلون هذه المناسبة لترويج عبارات وشعارات الهمز واللمز الاستفزازية لمآرب بات يدركها الجميع، ولنجعل جميعاً هذه المناسبة فرصة للتقارب والمحبة على مائدة أهل البيت (ع)، هدانا الله جميعاً إلى ذلك.