تاريخ إيران، كدولة قبل الثورة، وجمهورية إسلامية بعدها، يشترك مع بعضه في عامل السيطرة والاستعمار وبسط النفوذ وتوسعة الرقعة الإيرانية في المناطق المجاورة لها.
فقبل الثورة هناك عربستان المحتلة أو الأهواز، التي احتلها الشاه وضمها إلى إقليم إيران الدولة، واليوم إلى جانب بوصلتها التي تشير إلى دول الخليج، بانتظار ساعة الصفر السانحة للانقضاض عليها، القواعد الإيرانية في رحلة ذهاب وإياب بين سوريا والعراق، لذلك لم يعد هذا الأمر محل نقاش أو تشكيك، وخاصة مع ما تشهده المنطقة من صراع سيكون البقاء فيه للأقوى.
لكن الحدث الأهم الذي تغيَّر بعد الثورة، وسيكون محور حديثنا هنا، هو إعلان إيران نفسها، كجمهورية إسلامية، ذي نهج شيعي اثنى عشري، ومحاولتها – كما يتصوَّر البعض – تنصيب نفسها وصية على الشيعة العرب وحمايتهم – كما تدعي هي – لحقوق شيعة الخليح.. لكن، هل هي بالفعل وصية على الشيعة والمحامي عنهم؟ ولماذا حديث إيران فقط يدور حول شيعة الخليج تحديدا، وليس الشيعة على وجه العموم؟
إجابة هذه الأسئلة ستعود بنا إلى النقطة الأولى، وهي سياسة إيران الخارجية، في تعزيز إمبرياليتها.. فكل هذه التحركات، وإن كانت ذات صبغة دينية مذهبية، إلا أن بطانتها سياسية بامتياز، لا تتعلق أبداً بالدين، ولا بالمذهب الشيعي على وجه الخصوص، وهي فعليا غير آبهة أبدا بحقوق شيعة العرب أو الشيعة بشكل عام.. فها هم الأهوازيون، على سبيل المثال، يتلقون معاملة مجحفة وقمعا من النظام الإيراني، وغالبيته شيعة، كذلك مارس هذا النظام قمعه وفكره الرجعي قبل فترة ليست بالبعيدة على مؤيدي أحد مراجع الشيعة، الذي لا يؤيد ولاية الفقيه، وصل إلى إغلاق قنواتهم وتكسير ممتلكاتهم وسجن بعضهم.. فيمكن القول هنا إن إيران لن يردعها رادع، باقتلاع كل شوك يقف في مصلحتها، حتى لو كان ذلك من الشيعة أنفسهم.
أما في ما يخص تسليط إيران ضوءها على شيعة الخليج، الذي يخرج إلينا اليوم بصورة تصريحات وتهديدات، فمرده، حرصها على الاستفادة من التناحر الطائفي في المنطقة قدر الإمكان، عن طريق زيادة النار حطبا، لإحداث ثغرة تمكنها من تصدير أفكارها المستعمرة، حيث إن استراتيجيتها تقوم اليوم على تصوير الشيعة العرب كما لو أنهم تابعون لإيران، أو أنهم مستعدون للتخلي عن مصلحة أوطانهم وعروبتهم، من أجل تحقيق الرؤية الإيرانية وتوسعة دائرة قوميتها المعادية للعرب، وهذه الورقة، للأسف الشديد، لا تستخدمها فقط إيران، فللطائفيين حصة من استخدامها، بما يتناسب مع مصلحتهم القذرة.
تحركات إيران، للأسف الشديد، أصبحت تلقى رواجا وتأييدا من البعض، وخاصة ونحن نعاني فقدانا لروح المواطنة، وسيادة الظلم ونفس الفرقة، وقتلا لهويتنا العربية الجامعة. فالمواطن العربي اليوم لم يعد مؤتمنا على نفسه وروحه من الزوال، في ظل سياسات الأنظمة العربية القائمة على نهج «فرق تسد»، واستخدام كل قوتها في دعم كل محرك من شأنه تفكيك البلد، لتعزيز قوتها هي.. وما قلناه سابقا نكرره اليوم إن الاضطراب الذي نعيشه اليوم، وإن كان بفعل فاعل مستقصد، إلا أن الاحتماء خلفه أو مجاراته والدخول في دهاليزه، من دون التصدي له، سيجعلنا شركاء في جريمة لا ناقة لنا فيها ولا جمل.