تناولنا في الأسبوع الماضي تقييما لأداء المملكة في مكونات مؤشر التنافسية العالمية لعام 2015/2016، اليوم أتناول العوامل الأكثر تعقيدا لمناخ الأعمال في المملكة وفقا لنتائج تقارير السنوات الخمس الماضية 2010/2011 ـــ 2015/2016، التي تنعكس سلبا على تنافسيتها. وبالنسبة لقطاع الأعمال الخاص تتمثل أهم هذه العوامل في اللوائح المقيدة لاستخدام العمال، وهو ما يعكس تذمر قطاع الأعمال الخاص من اللوائح والإجراءات الخاصة باستقدام واستخدام العمال، والواقع أن هذا العامل يعكس حالة تعارض بين المصلحة العامة والمصالح الخاصة، حيث يسعى القطاع الخاص لتخفيض تكاليف استخدام عنصر العمل والتي ترجح كفة استخدام العمالة الوافدة. بينما نجد أن اعتبارات الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في الدولة تتطلب أن يتم فتح فرص العمل أساسا لاستيعاب العمالة الوطنية، وهذا هو المبدأ الذي تعمل به أسواق العمل في دول العالم، ومن ثم أعتقد أن قطاع الأعمال الخاص السعودي قد يكون مبالغا في وصف أهمية هذا العامل باعتباره أهم العوائق التي تقيد بيئة الأعمال في المملكة.
ثاني العوامل الأكثر تعقيدا في بيئة العمل السعودية هو ضعف مستوى تعليم قوة العمل، وهذا العامل ربما يكون قطاع الأعمال على صواب فيه، حيث يعكس ذلك شعور قطاع الأعمال أن مخرجات النظام التعليمي لا تتوافق مع احتياجات سوق العمل، خصوصا في ظل التطورات التقنية السريعة التي تحدث في بيئة الأعمال، على النحو الذي يجعل النظام التعليمي لا يمد سوق العمل الخاص بخريجين يمتلكون المهارات اللازمة لأداء الأعمال على نحو كفء، ولا شك أن معالجة هذا الأمر تتطلب مراجعة هيكلية لبرامج التعليم في المدارس والجامعات ومعاهد التعليم الفني للتأكد من توافق المناهج ومن مواءمة التخصصات التي يتم طرحها في هذه المؤسسات مع احتياجات سوق العمل، وأن البرامج التعليمية للتخصصات المختلفة تمد الطالب بمجموعة المهارات الأساسية التي يحتاج إليها سوق العمل الخاص.
أما ثالث العوامل الأكثر تعقيدا لبيئة العمل السعودية فهو النظم البيروقراطية الحكومية غير الكفؤة، حيث يشعر قطاع الأعمال الخاص أن الروتين الحكومي يعقد بيئة الأعمال في المملكة ويعطل نشاط القطاع الخاص بشكل عام، ولا شك أن ضعف الروتين الحكومي وتعقده له أثر سلبي مهم في تنافسية قطاع الأعمال الخاص، وأنه لرفع تنافسية المملكة لا بد من مراجعة مكثفة للقوانين والإجراءات والنظم الحكومية التي تحكم أنشطة قطاع الأعمال الخاص، وإعادة هيكلتها على النحو الذي يحسن من بيئة الأعمال، خصوصا أن التجارب العالمية تشير إلى أن تعقد النظم البيروقراطية الحكومية يفتح المجال أمام انتشار الفساد في الجهاز الحكومي نتيجة الحاجة إلى القفز على الأنظمة والإجراءات الروتينية المقيدة لنشاط الأعمال.
أما العامل الرابع فيتمثل في صعوبة الحصول على التمويل المناسب لمؤسسات الأعمال الخاصة، سواء من حيث الحجم أو من حيث الشروط، خصوصا بعد الأزمة المالية العالمية، حيث ارتفعت المخاطر المحيطة بعمليات منح الائتمان لقطاع الأعمال الخاص، لذلك كان من الطبيعي أن تقوم مؤسسات التمويل بالتشدد في منح الائتمان بسبب ما يمكن أن يعكسه ذلك من آثار على جودة أصولها في قوائمها المالية، الأمر الذي يتطلب أن تقوم السلطات النقدية في المملكة بتشجيع مؤسسات التمويل على اختلاف أشكالها على مد خطوط الائتمان اللازمة لقطاع الأعمال الخاص.
العامل الخامس الأكثر تأثيرا في بيئة الأعمال هو ضعف أخلاقيات العمل لدى قوة العمل الوطنية العاملة وهو ما يعكس ضعف التزام قوة العمل الوطنية بنظم العمل أو ضعف الالتزام بالقواعد المهنية المتعارف عليها فيه.
لا شك أن معالجة هذا النقص تكمن في تقوية المناهج التعليمية التي تغرس المهارات الأخلاقية لدى الطلاب في المراحل التعليمية المختلفة، بحيث تصبح إحدى المكونات الأساسية لأي برنامج أكاديمي في أي مرحلة تعليمية.
يلعب ضعف القدرة الابتكارية للاقتصاد السعودي العامل السادس، حيث تعتمد التنافسية في عالم اليوم على القدرة على الإبداع والابتكار، ولا شك أن هذا العامل هو أيضا نتاج ضعف التأهيل التعليمي للخريجين، فغالبا ما يتم تفضيل دراسة التخصصات الأدبية، بينما ينخفض الإقبال على دراسة العلوم والرياضيات التي تمثل الأساس الذي ينبني عليه الابتكار بصورة أساسية، الأمر الذي يؤدي إلى ضعف القاعدة العلمية بشكل عام، ولا شك أن رفع القدرة الابتكارية للاقتصاد الوطني ستتطلب إعادة تهيئة قطاع التعليم، حيث يخرج مخرجات قادرة على تطبيق مبادئ العلوم الأساسية في الحياة العملية. كما أن نقص المؤسسات المتخصصة في البحث والتطوير في الدولة سواء أكانت العامة أو الخاصة، يؤدي إلى ضعف القدرة الابتكارية للاقتصاد. واقع الحال يندر أن نجد أن مؤسسة أعمال خاصة تهتم بإنشاء كيان خاص بالبحث والتطوير في المجال الذي تعمل فيه، ومن ثم من الطبيعي في ظل هذه الظروف أن تنخفض القدرة على الابتكار.
يحتل عدم استقرار السياسات الحكومية المركز السابع في الوقت الحالي بين العوامل المقيدة لقطاع الأعمال الخاص، والواقع أن قطاع الأعمال لم يعط هذا العامل هذا الترتيب في السنوات السابقة، حيث كان يحتل المركز العاشر إلى المركز الـ 12 في السنوات السابقة، وهو تطور يعكس تزايد قلق قطاع الأعمال من التأثيرات السلبية لتقلب السياسات الحكومية تجاه قطاع الأعمال على النحو الذي يجعل من بيئة الأعمال بيئة غير مستقرة يصعب فيها بناء أي تصورات حول اتجاهات العائد المحقق من الأعمال على المدى الطويل، وبالطبع يصعب في ظل هذه الأوضاع القيام بأي نوع من التخطيط للمستقبل، نظرا لتزايد مخاطر عدم التأكد حول سلوك الحكومة في المستقبل، ويترتب على حالة عدم التأكد ضعف مستويات الاستثمار وضعف قدرة القطاع الخاص على خلق الوظائف. إن استقرار السياسات الحكومية المرتبطة بالقطاع الخاص ومناخ الأعمال فيه يعد شرطا أساسيا لرفع درجة مساهمة القطاع الخاص في الناتج والتوظيف على المستوى المحلي.
من جانب آخر، ينظر رجال الأعمال إلى معدلات الضريبة المرتفعة نسبيا على أنها أحد عوائق قطاع الأعمال الخاص، على الرغم من الانخفاض النسبي لمعدلات الضريبة في المملكة، ولكن على ما يبدو أن قطاع الأعمال الخاص يقارن بين معدلات الضريبة في المملكة والوضع في الدول الأخرى المجاورة.
بشكل عام تنخفض كفاءة البنى التحتية في المملكة من وجهة نظر القطاع الخاص، وهو ما يعكس العرض غير المناسب من تسهيلات البنى التحتية مثل شبكات الطرق والاتصالات والكهرباء والموانئ بأنواعها والجسور والأنفاق .. إلخ، ويعد عرض البنى التحتية ونوعيتها أحد العوامل الحاسمة أمام توسع القطاع الخاص، بل وتنافسية الاقتصاد الوطني ككل.
العامل العاشر هو نظم الصرف الأجنبي، فعلى ما يبدو لا يعتبر قطاع الأعمال الخاص أن سياسة ربط الريال بصورة جامدة بالدولار الأمريكي سياسة مناسبة لتحديد معدل الصرف والتي يمكن أن تنعكس سلبا على تنافسيته، لذلك فإن مراجعة نظام معدل الصرف والبحث عن آلية أفضل من الربط الجامد قد يكون أمرا مناسبا.
هذه أهم العوامل المؤثرة في بيئة الأعمال بصورة سلبية، والتي ينبغي أن تلقى اهتماما من صانع القرار لتحسين بيئة الأعمال ورفع تنافسية الاقتصاد السعودي، هناك ستة عوامل أخرى لكن وزنها أقل في تقييم قطاع الأعمال الخاص لطبيعة بيئة الأعمال في المملكة وهي على التوالي درجة تعقد النظم الضريبية، والفساد، والتضخم، وضعف التسهيلات الصحية العامة، ودرجة استقرار الحكومات، وأخيرا درجة انتشار الجرائم والسرقات.
آخر مقالات الكاتب:
- اقتصاديات التعلم الإلكتروني
- تراجع النمو في سنغافورة
- ضريبة السلع الانتقائية في دول مجلس التعاون
- اقتصاديات التصويت في الانتخابات
- ماذا يحدث لفنزويلا؟
- «جاستا» وما أدراك ما «جاستا»
- ما مغزى الاتفاق الأخير بين الصين والسعودية؟
- هل هي بداية الانتكاسة لسياسات الخصخصة في العالم؟
- المخاطر الاقتصادية لقرصنة الأدمغة
- بالون ديون العالم .. إلى أين؟