بدخول روسيا، بقضها وقضيضها، وترحيب “معسكر الممانعة” بها، يكون قد اكتمل عقد التدخل الأجنبي في المنطقة، بموافقة ودعم وترحيب كل الأطراف دون استثناء، ممانعة كانت أو موالاة سواء بسواء، وأصبحت السيادة مجرد عنصر افتراضي في مكونات دول المنطقة.
غالبية دول المنطقة اليوم توجد فيها قوات أجنبية أو إقليمية، أو أنها تتدخل عسكرياً في بلاد أخرى، بعض القوات مقاتل على الأرض، وبعضها نظامي، وبعضها ميليشيات لحسابها الخاص وبعضها بالوكالة، وبعضها من هذه الدولة أو تلك، زحمة ما بعدها زحمة، وقعقعة سلاح في كل الاتجاهات.
ولسنا هنا معنيين بالأسباب والمبررات، أو من يكون على حق أو على باطل، فلكلٍّ مبرراته، وشرعيته أو مشروعيته، فالأمر تجاوز ذلك منذ زمن، حتى كادت الخطيئة الصهيونية الكبرى أن تكون نسياً منسياً، وصارت في الهامش، بعد أن كانت النص والمتن.
في منطقتنا، بدولها العربية وغير العربية، تدور حروب مستعرة بدون توقف منذ سنوات طوال، حتى صارت الأولى عالمياً في معدل الحروب للفرد الواحد. أنجبت تلك الحروب أفظع مآسٍ إنسانية في التاريخ، ويزيد الطينَ بلة أن “الفئات المظلومة” و”المهمشة” و”المسحوقة” هنا، تؤيد وتدعم ظالماً هناك وبالعكس.
تراجع مفهوم السيادة لدرجة أنه ما إن يعجز هذا الطرف أو ذاك عن حسم الأمور، حتى يطالب ويلحّ على روسيا وأميركا وغيرهما بأن تتدخل عسكرياً، حتى صارت تلك الدول الكبرى دول جوار، وتحولت الأرض إلى فوضى.
عندما نضع فرضية الدولة ذات السيادة، التي لا تتدخل في شؤونها دولة أخرى بموجب معاهدة فيينا للأعراف الدبلوماسية، على المحك، نجد أن تلك الدولة صارت افتراضية، كما هي الأمور في هذا الزمان الافتراضي.
يعيد هذا السلوك عجلة التاريخ إلى ما قبل ٤٠٠ سنة، إلى حقبة حروب الثلاثين سنة والمئة سنة في أوروبا، والتي انتهت باتفاقيات سلام “ويستفاليا” وتأسيس الدولة المستقلة ذات السيادة. ربما نحن بحاجة إلى إعادة إنتاج السيادة عبر معاهدة جديدة، تقوم على التعايش السلمي، واحترام حقوق الناس، وإلا فإننا، على هذه الوتيرة، لا نستغرب إن أصبحت نيبال قريباً دولة جوار.