حدثنا أبو المصائب بلوى بن كارثة عن أبيه عن عمه «دايخ بن دايخ» أن المواطن أصبح في حال خطير، والأفكار والهموم والشجون والشئون تأخذه تارة إلى العسر وتارة إلى الأعسر العسير، فلا هو مستقر على شبر من أرض ولا هو في الأحلام يطير، وكلما مر يوم يرتجى فيه الفرج، يصاب بخيبة الأمل بسبب صعوبة المخرج! وكلما رأى الهوامير تنتفخ وجيوبها متروسة، يندب حظه وتضيع آماله بين حوسة ولوسة.
حتى الكلام عن الرواتب والأجور وتغير الحال من سيئ إلى حسن، كأنه عبارة عن «بلاليط» ينتقل من صحن إلى صحن، فلا المواطن دايخ بن دايخ حصل على زيادة تسهم في رفع بلواه، ولا الأسعار انخفضت حتى يتمكن من بلع شكواه، ولكن الوضع مرير والقادم كما يقال، جد خطير، ولا يعلم دايخ بن دايخ عمن المسئول عن التخطيط والتفكير في المستقبل، وكيف يمكن أن نحفظ للأبناء والأحفاد علاوة الغلاء بدون تسجيل، ولا كيفية الحصول على خدمة إسكانية على وجه التعجيل، وربما أصبحت الوظائف والأشغال لأبناء البلد، بمثابة الامتحان الصعب الخارق لقدرة الإنسان على الصبر والاحتمال والجلد، والله المستعان على قساوة الظروف والمحن، وعلى الديون والأرقام والالتزامات التي يحملها المواطن على ظهره بلا عد ولا عدد.
وحدثنا دايخ في أمر جلل وعيونه دامعة، فقد تخرج ابنه من الجامعة، ولم يحصل على وظيفة تناسبه يعتاش منها ويصرف على نفسه وأهله، ويكون نفسه ويستعد للمستقبل بزواجه وأحلامه وأمنياته وشربه وأكله، بيد أنه رأى ابن البلد يواجه حالة من التطنيش، وإذا ما تم توظيفه فإنه يتعرض إلى موجة من التطفيش، فلا أحد يسانده ويقف إلى جانبه، ولا قانون ولا أنظمة يعتنيان به، فدرس الأمر مع ابنه الشاب الطموح المثابر، الذي قرر أن يهج ويسافر، ويبحث عن لقمة عيشه ومستقبله في أي بلد، وبالفعل حزم حقائبه وطار، متنقلاً بين سفينة وطائرة وقطار، ولكن حسرة الأب على ولده شديدة، ودمعته تذيب الصخرة والحديدة، إذ كان يحلم ويتمنى أن يخدم بلده وشعبه ويرد الجميل.
حدثنا الراوي ابن أبي البحرين… فقال ما الذي يجري بين صحبي وأهلي؟ وما الذي ألمّ بالحكومة والمعارضة في الترحال والحل… بين شد وجذب في ملفات وقضايا بعضها بسيط وبعضها يستعصي على الحل… وكيف تمضي السنون والوقعة مستمرة في وادٍ وفي سهل… حتى شاب لها رأس الشاب وانتظر بسببها موتة الكهل؟ وما كان من الراوي إلا أن صمت عن الكلام المباح، لأنه طلب العافية فاستراح.
حدثنا الراوي أبو الاعتصام السلمي، فقال سأجمع صحبي ورفاقي وأبناء عمي… وسنطرق كل أبواب العدالة بحثاً عن أنصار في وجه الظلم… وسنرفع كل الرايات… حين يشتد الحر ويحل البرد وحين تهب السرايات… ونتلو من أجل النصر الأذكار والآيات… وما مات من طالب بحقه حتى لو صبره مات!
حدثتنا حديقة السلمانية، عن أيام جميلة مضت دونما رجعة بين فلانة وفلتانية… حيث كان الناس في مودة ورخاء بلا طائفية ولا تمييز ولا مهاترات برلمانية، حتى ألمّت بها الحسرة، وزاد من عذابها بعد الأمل في الصلاح بعد خراب البصرة، وقالت يا ويلتي على أبناء الديرة قد سقطوا في حفرة، فيا ليتها ترجع أيام الناس في البلد قبل النفط والطفرة… فبكت وبكت حتى طاحت صفرة!
وعودةً إلى أبي المصائب، حدثنا عن الحل الوحيد والذي به البلد تسلم وتصبح أيامها كلها عيد، وهو العدالة للجميع بلا تمييز وبلا تناحر وطائفية وتصعيد، ومحاسبة الفاسد والسارق، ومن يتجاوز حدوده على أموال البلد وأهل البلد، فليس له إلا الضرب بيد من حديد… وسلامتكم.