يعز علينا، كمواطنين، رؤية الحالة التي يعيشها مجتمعنا اليوم، من اقتتال وتناحر طائفي، في ما بينه، حتى وصل إلى مرحلة يصعب علينا تفكيك شفرتها، أو الحد من أضرارها وانتشارها.
فاليوم، ليست فقط الخطب والكلمات تضع صاحبها في خانة الطائفية، فحتى الصمت أمسى لغة من لغات الطائفية، وأحد الأسباب التي تعطي الحق لذوي العقول المتحجرة باتهامك بالطائفية، للأسف الشديد.
لهذا، نرى الفريق العقلاني من الشعب يعيش في حيرة من أمره.. فلا هو الذي يريد أن يتحدث ويستنكر، فيصبح من المغضوب عليهم، ولا يريد أن يصمت، فتلاحقه لعنة البغضاء وجهل الناس وطائفيتهم.. لذلك، فإلى جانب صراعه مع ذاته لقول كلمة حق، كيفما كان شكلها، فهو في صراع دائم مع مجتمع، في الوقت الذي توزع فيه صكوك الوطنية، وفق الأمزجة النتنة.
وعلى الجانب الآخر، نجد النَفَس الطائفي المتمدد، أوجد حالة اضطراب وخوف عند البعض، أجبرتهم على استخدام أسلوب التعميم في كل انتقاد يوجهونه، لشخصية إسلامية على وجه الخصوص، كي يبينوا للعامة، أنهم لا يهاجمون مذهبهم، أو أنهم لا يجدون مانعا كذلك في انتقاد تصرفات مشايخ الدين من مذهبهم، وهم غير ملزمين بذلك.. فنراهم مضطرين لقول «بعض اللحى والعمائم»، كي يخرجوا من دائرة الشبهة، وهذا بحد ذاته يُعد تفاهة.
قد يعتقد البعض، أن أفضل الأمور، في مثل هذا الوضع التعيس، هو البُعد، قدر الإمكان، عن هذا الاحتقان، وهذا أمر خاطئ، من وجهة نظري، حيث إن إيجابية عدم تدخل العقلاء من أبناء الشعب في معترك الاقتتال الطائفي يعد سلبية، وكذلك من ناحية اكتفائهم بالتفرج، وعدم وأد هذا العراك، فهم مطالبون بإعلاء صوتهم، ومواجهة كل «نهيق» طائفي ينخر بجسد الوطن، ويفكك المواطنة، التي لم يتبقَ منها إلا اسمها.
قد تكون علة الطائفية معروفة المصدر والسبب، فمن رعى ودعم أصوات النشاز طيلة سنوات سابقة وتحالف معها، ومازال، سيخسر، لو حلت عقدة الطائفية واتحد الشعب، إلا أن هذا ليس عذرا، كي نسمح لهذا الموج بجرفنا إلى حيث يشتهي، أو أن نسلم رقابنا لأصحاب الفتن، وننجرف مع سيل تعجرفه وانحلاله.. فكما أسلفنا بالذكر، يجب علينا جميعا ترك إمساك العصا من منتصفها، ومواجهة هذه العقول، والبدء بنشر التوعية الوطنية، حتى لا تأخذنا رياح الطائفية إلى ما لا يُحمد عقباه.