إذا صدّقنا أن الجيل ثلاث وثلاثون سنة، فجيلنا، أقصد الجيل الثاني، الذي ينتمي إليه الكاتبجي، وتتراوح أعمار أبنائه وبناته اليوم ما بين الأربع والثلاثين سنة والسبع والستين سنة، هو الأجمل والأبهى والأذكى والأزهى والأشهى، مقارنة بالجيل الذي سبقه، والجيل الذي تلاه… و”كله بالدليل”.
ففي حين كان الجيل الذي سبقنا جيلاً “مصمتاً” ثقافياً، في الأغلب الأعم، حيث الثقافة محدودة، والاطلاع ليس يسيراً، والإعلام غائب، والشائعات تسري في الأدمغة بسلاسة، والدروشة في أوجها، وكثير من العادات السيئة لا يمكن رفضها والاحتجاج عليها، والجهل يسير في الطرقات متبختراً، والحالة المادية “يا دوبك” تسد الرمق، وحيث العلاج بالنفث والبصق والجَلد لإخراج الشياطين وما شابه، وحيث “الغُلب” والبؤس، وحيث الجوع معروف، شكلاً واسماً ومضموناً، وحيث يشار بالبنان وحواجب الدهشة إلى من يفك الخط، وحيث الانتقال لمسافة مئتي كيلومتر يُعتبر مشقة وسفراً، يُستقبل العائد منه بالزغاريد والأحضان…
أما الجيل الذي تلانا، الجيل الصاخب، جيل الكمبيوتر والبرمجيات، جيل الهاكرز والماكدونالدز، جيل المعلومة الجاهزة التي تختبئ خلف لمسة زر، الجيل المحروم من متعة البحث ولذة العثور على المعلومة بعد جهد. الجيل الذي يسافر أبناؤه إلى أوروبا في عطلة نهاية الأسبوع، ويعودون قبل أن يشعر أقرباؤهم بغيابهم. الجيل “النكهة سيس”.
أما جيلنا، فجمع أفضل ما في هذا وذاك، إذ انتشر العلم بين أبنائه وبناته، وتلاشت الدروشة تدريجياً من عقولهم، وغاب الجوع عنهم إلا في نهار رمضان، وانتشر الطب الحديث في مناطقهم، وعايشوا البساطة والتعقيد، واستطعموا لذة المشقة الخفيفة، ثم تلمسوا بأيديهم لذة سهولة الحياة، واستنشقوا نسمات الهدوء زمناً، ثم تمتعوا بالصخب الملون، وناموا على حكايات الجدات زمناً، قبل أن يجربوا النوم على حكايات أحدث الأفلام الوثائقية من اليوتيوب.
على أن كلامي هذا، عن تميز جيل المنتصف، ينطبق على شعوب الخليج، لا على شعوب مصر ولبنان والعراق وسورية وغيرها، التي كانت أجيالها السابقة تتمتع بثقافة أفضل من ثقافة أجيالها الحالية.