أقول بمناسبة الحديث عن احتمال تغيير وزاري قادم، بعد تقديم وزير الكهرباء استقالته، إن خلاصة الكلام هي عبارة بسيطة، ليت شيوخنا الله يحفظهم من العين يسمعونها “هذا سيفوه وهذي خلاجينه”، وتعني كما ينسب بحكمة مشهودة لسعد زغلول حقيقة أم كذباً “ما فيش فايدة يا صفية”، فسواء غيرتم الوزراء كل شهرين أم تركتموهم حتى يسقطوا بالتقادم، بدلتم كراسيهم أم ثبتموهم إلى أجل غير محدود، فالنتيجة تعرفونها وتدركونها أنتم، قبلنا نحن المغلوبين على أمرنا في سكك وحارات “حاضر طال عمرك واللي تشوفه طال عمرك وأنت أبخص طال عمرك”.
النتيجة واحدة، وهي محددة بأن العلة ليست بأشخاص الوزراء، أو أن هذا الوزير محسوب على “فلان شيخ” والوزير الآخر محسوب شيخ آخر، ووزير ثالث جاء للوزارة بعد ترشيحه من شخص سياسي كبير متنفذ ينصت له ولتوصياته وبركاته، الكبار اللي “بإيديهم الخيط والمخيط”.
وسواء حدث أن عيّن وزير مخلص ومن أهل الكفاءات، وقد حدث هذا في أكثر من مناسبة تشكيل وزاري وتم إخراجهم بسرعة من الباب الخلفي للوزارة، أم كان القادم من أهل الواسطات والمحسوبيات، ومن حزب قبيلة “هذا ولدنا وهذا محسوب علينا، وهذا يمكن أن يمشي شغلنا”، فالنتيجة آخر الآمر، وبعد فترة طويلة أم قصيرة في العمل الوزاري وتحت أوامر وتوصيات حكومة الحكومة (هي حكومة الشيوخ صاحبة الأمر الأخير) لا تتغير، تهمس في آذاننا قائلة “هذا سيفوه وهذي خلاجينه… وماكو فايدة يا سبيجوه”!
الدولة اليوم، ويبدو أنني أؤذن في مالطا، مثلما أشعر من حالة اللامبالاة العامة من أكثرية المواطنين المخدرين بـ “يوتيوب” والـ”واتس أب” و”تويتر”، وثقافة حفلات العرضة ضد خطر التمدد الإيراني وشيعة المنطقة كما تضج أدبيات “تويتر” هذه الأيام، على شفير هاوية اقتصادية، ناتجة ليس بسبب تدهور سعر النفط بحد ذاته، وفق قانون العرض والطلب لهذه السلعة، بل هي كارثة بالفكر الحاكم الذي يفترض أن يواجه أزمة تهاوي برميل النفط، وبآلاف المواطنين المستلب وعيهم بالخطر.
هي كارثة العجز والخوف من مواجهة الواقع والحقيقة، هي كارثة غياب الشفافية والشجاعة في طرح الحلول الاقتصادية المؤلمة.
قد نتألم اليوم قليلاً مقابل أن نوفر على أطفالنا الكثير من المعاناة في الغد المجهول، لكن حكومة الحكومة تعلم أنه، حتى يتحقق كل ذلك لابد أن يكون هناك مقابل لهذا الألم، يتعين عليها أن تدفعه كي يتجنب الوطن الهزات الأمنية، تعلم الحكومة (السلطة) أن عليها، كي يقتنع الناس بمصداقيتها، أن تباشر بنفض ركام الفساد الكبير في معظم أجهزتها من دون استثناء تقريباً، وأن تبدأ بالكبير قبل الصغير، وبالقوي قبل الضعيف، وبالقريب قبل البعيد.
بكلام آخر، كي تفعل كل ذلك يجب أن تؤمن السلطة حقيقة وليس كلاماً بدولة حكم القانون وبمضمون الدستور، وبالمساواة العادلة، وأن يكون عنصر الجدارة والنزاهة هو المعيار في اختيار الوزير مثلما هو المعيار في تعيين الموظف الصغير.
هل هذا ممكن؟… هل تعتقد السلطة أن تغيير أسماء الوزراء وفق وصفاتها التقليدية سيحقق أياً من هذا؟ الجواب بالنفي، وسنظل نردد… “هذا سيفوه وهذي خلاجينه، أو ماكو فايدة يا سبيكة”!