أحد الكتّاب المميزين في تاريخهم وتجربتهم العملية، وهو الأستاذ والسفير والأمين العام الأول لمجلس التعاون الخليجي عبدالله يعقوب بشارة، كتب يوم الثلاثاء الماضي في الزميلة “القبس” مقالاً بعنوان “مجاعة الكويت… وأسبابها”، خاض فيه بالشأن المحلي، محللاً بقدر المساحة الممنوحة لكلماته أسباب “تآكل اللمعان السياسي الكويتي”، وما أسماه “تصلب الجمود الذي أثقل حيويتها” من خلال خمسة مبررات أصاب معظمها المناطق التي نعتقد أنها مواطن الخلل، وتستحق المزيد من النقاش حولها.
انتقد بشارة نهج الحكومة التي ترتاح للأسلوب الهادئ في متابعة أسلوب التنفيذ، كلمة “نهج” أصابت كبد الحقيقة، فهي تعني الاستمرارية والتواصل والإرث الذي يتوارثه مجلس الوزراء مع اختلاف الزمان والعابرين فيه، وعليه فإن المطالبة بتغيير النهج الذي يحقق الصلابة التي طالب بها بشارة مستحقة، وتحتاج إلى فريق عمل غير الفريق الحالي.
في المبرر الثاني وجد بشارة في الذهنية المحلية في أعمال مجلس الأمة والانغماس الشديد في القضايا المحلية أمراً يرقى للانتقاد، والحقيقة أن هناك نوعا مفقودا من التوازن والمواءمة ليس في هذا المجلس، ولكن منذ المجلس الأول في عز الناصرية والمد القومي، علما أن الرأي العام قد يتقبل الانغماس في الشأن الخارجي متى ما كانت أحواله المعيشية جيدة ومستقرة، ولكن في ظل الأوضاع المهتزة حاليا والتي لا تخفى بالتأكيد عن متابعات الأستاذ عبدالله بشارة لن يغامر أي نائب في تضييع وقته في الشأن الخارجي ما لم يضمن أنه يصب في مصلحته الانتخابية، وحالة النائب المتخصص في الهجوم على السعودية والبحرين مثال حي لذلك.
ينقسم المبرر الثالث إلى قسمين: الأول، أختلف معه بشدة، والثاني أرى أنه يستحق الكتابة بماء الذهب، بشارة يعيب على التجمعات السياسية ضآلة عطائها ومنابرها، وتواضع مساهمتها وعجزها عن صياغة مفهوم سياسي وفكري يتناسب مع حقائق الكويت، ويتمتع بقبول من الرأي العام، في الحقيقة لا أعرف لمن مهمة صياغة المفاهيم السياسية والفكرية، هل هي للتجمعات السياسية أم المفكرين السياسيين أم الجامعات والمعاهد المتخصصة في هذه الأمور؟ ثانياً، أي المنابر التي يراد لها أن تكثر ويكثر عطاؤها، والوضع العام يشهد عملية تصحير سياسي غير مسبوقة وتضييقا على مساحة حرية التعبير وأي عمل خارج نطاق العمل الرسمي؟
“تحتاج الكويت إلى استقطابات فكرية تتولد من التربة الكويتية مستلهمة المناسب من تجارب الآخرين وليس استنساخه”، ما سبق هو القسم الثاني، وحسب فهمي له أؤكد لبشارة أن العناصر التي تستحق أن تستقطب ليس فكريا فقط موجودة ومتوافرة، لكنّ المشكلة فيمن يقوم بعملية الاستقطاب بناء على صلة القربى وانتقاء الأتعس بكل جدارة.
في المبرر الرابع عبّر الأستاذ بشارة عن حالة “ثورية” عندما انتقد تكاسل وعزلة من سماها الهيئات ذات النفع العام عن الهمّ السياسي، وحصر اهتمامها بالاختصاص الوظيفي، وهنا نحن نشد على يديه في الحث على حيوية دور تلك الهيئات في الهمّ الوطني والسياسي ومراقبة أعمال الحكومة والبرلمان، ونقد الأوضاع الخاطئة خدمة للمصلحة العامة، ولكن للأسف منذ عام ١٩٦٤م يحظر القانون على تلك الجهات الخوض في السياسة وإلا فمصيرها التصفية النهائية كما حصل مع نادي الاستقلال أو الحل للجمعيات والروابط التي استنكرت الانقلاب الأول على الدستور.
المبرر الأخير، وهو عن الإعلام الرسمي والخاص، لم أجد ما يستحق الإضافة لاتفاقي مع رأي بشارة، أما الخاتمة التي ركزت على عدم وجود آليات تدفع نحو التحفيز الفكري والسياسي مع نقد للمؤسسات الثقافية وجامعة الكويت فكل ذلك مرده إلى السلبيات المتراكمة نتيجة سياسة ونهج المحاصصات، التي أوصلتنا اليوم إلى درجة الاستهانة بأي مؤسسة وأي طاقة إبداعية في سبيل تثبيت وضع عام، أو وزير في منصبه لأطول فترة ممكنة، كل ذلك وأكثر قلب أدوار المؤسسات التنويرية إلى مراكز تجنيد للتخلف وإنتاج اليأس تحت حماية مجموعة من المتسلقين البيروقراطيين.
في الختام لا بد من التأكيد على وجود حواجز نفسية وفكرية تمنع وصول العلاجات إلى مناطق إنتاج العلل حتى لو أتت من الفريق نفسه، ولقد قيل الكثير في السر والعلن، ولا يبدو في الأفق ما يشير إلى تحول جذري في مسارنا الحالي، هذا هو السؤال المتجدد أستاذ عبدالله: هل نعاني المجاعة في الحلول فقط؟