الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اختار القرار الصعب والذكي في الوقت نفسه من حيث انتقاء الزمان والظروف السياسية للدخول مباشرة وبثقل كبير إلى سورية، والاتهام الأول الذي قد يواجهه هذا الرجل هو إنقاذ نظام بشار الأسد، الأمر الذي لا يأبه به بوتين في مسعى إلى نيل لقب قلب الأسد!
الرئيس الروسي واجه الولايات المتحدة وأوروبا في أوكرانيا بعدما انتزع شبه جزيرة القرم الاستراتيجية وفرض الحكم الذاتي الروسي في نصف الجمهورية السوفياتية السابقة، وحقق معظم شروطه رغم المقاطعة الاقتصادية التي يبدو أنها أضرت الغرب أكثر من روسيا، ورغم تدهور أسعار النفط التي أثقلت كاهل بلاده مالياً.
اليوم محطة بوتين هي سورية ومقومات نجاح مهمته تبدو سانحة جداً، فمن حيث التوقيت الولايات المتحدة في أضعف مراحلها دولياً، كما أنها منشغلة بالانتخابات الرئاسية القادمة، وأوروبا منقسمة على نفسها في الشأن السوري، وفجأة أصبحت الجهة التي تدفع أعلى ثمن بعد تدفق اللاجئين إليها بالملايين، في حين إيران الحليف السياسي لموسكو حيّدت واشنطن وحلفاءها بعد الاتفاق النووي، كما يحتاجها الغرب بمن فيهم الأميركيون كلاعب رئيسي في هندسة النتائج السياسية في حال نجاح المشروع الروسي على الأرض السورية لكي لا يخرج الغرب من المولد بلا حمص! أما الخليج فقد انشغل بالحرب اليمنية حتى النخاع دون نتائج حاسمة ونهائية على الأرض ولم تسلم قواته من ضربات موجهة وثقيلة.
أما التبرير الروسي فلا يمكن أن ينازع عليه أحد، فالأميركيون ومعهم 60 دولة فشلوا فشلاً ذريعاً في مواجهة “داعش” في سورية، وامتداد هذه العصابة اليوم أكبر حجماً منذ إعلان الحرب على “داعش” قبل أكثر من سنة، وحتى مشروع المعارضة المعتدلة وتسليحها من أميركا انتهت بمسرحية هزيلة عندما لم يتبق من هذا الجيش الجديد سوى خمسة جنود في حين سلّم البقية أسلحتهم لـ”داعش” وبايعوا أمراءه! فالروس أعلنوا الحرب نفسها والمقاومة السياسية للولايات المتحدة وأوروبا، وتركيا لم تصمد سوى ساعات قبلت بعدها بالتدخل الروسي ومعه أيضاً الموافقة على بقاء الأسد في السلطة! وقد يكون التدخل الروسي أكثر إقناعاً لأن غالبية المقاتلين المرتزقة في سورية هم من الشيشان وبقية الحديقة الخلفية لروسيا الاتحادية، ووجودهم وخبرتهم العسكرية يعد مصدر تهديد للأمن القومي الروسي.
معركة بوتين يفترض أن تكون شرسة وبلا حدود لأنها حرب وجود أو لا وجود، وهي مفتاح جديد لنظام عالمي آخر ومدخل لروسيا نحو النفوذ الكوني، وفشل الحرب الروسية في سورية قد يكون مكلفاً على غرار تفكك الاتحاد السوفياتي إثر هزيمته في أفغانستان، وهذه العقدة بالتأكيد شاخصة أمام بوتين وحكومته.
أن نجاح بوتين في سورية لا يخدم مشروع موسكو فحسب، بل يعزّز مكانة حلفائه الإقليميين، وسيحظى الرجل بشعبية كبيرة في الشارع العربي الذي عانى الأمرين من مجازر وإرهاب الجماعات الدينية، ليثبت الادعاء بأن هؤلاء المجرمين فعلاً كانوا صنيعة غربية وبدعم من حكومات المنطقة نفسها، فبوتين لم يأت فقط لإنقاذ الأسد إنما ليكون هو قلب الأسد!