العنصرية والتمييز والنظرة الدونية للآخر أشد فتكاً بالمجتمعات من السرطان والسل والطاعون، ولكن البشر لا يتعلمون. يبذلون جهداً مضاعفاً في علاج الأمراض التي تفتك بأجسادهم، ولا يبذلون عُشر الزمن في علاج القيم المتوحشة داخلهم، التي تفتك بهم وبغيرهم، بسبب أفعالهم وسلوكهم وإرادتهم الذاتية.
وحيث إني خلطت الفكر والكتابة بالممارسة حول المشكل الإنساني في العالم، وجُلْت المعمورة من أقصاها إلى أقصاها، شهدت كيف يكون التوحش في أعلى حالاته، وكيف يدور صراع يبدو أبدياً، بين بشر من نفس الدين، ونفس الملة، ونفس المذهب، ونفس العائلة، ونفس القبيلة. أما إن كانت من فئة أخرى فعليك أن تتحمل المزايدات.
الإنسان ربما هو المخلوق الوحيد، الذي يحرص ويتفنن في إفناء نفسه، ونوعه، وفي أحيان كثيرة، بدون سبب. الحيوانات لا تفعل ذلك، الإنسان وحده عدو نفسه، يتآمر ويخطط ليبني السلاح والسلاح المضاد، لا لحماية نفسه، ولكن للاعتداء على الآخرين.
حاول ويحاول الباحثون إيجاد تفسير، ومنطق لسلوك البشر المتوحش، الكاره للحياة، لذاته، من خلال تعويض ذلك بكراهيته للآخرين، أو عدم اكتراثه، فهي نحن وهم، ويبدو أننا لمّا نصل بعد إلى قاع حجم الدمار المبني على الكراهية، و”الاستمتاع بالإفناء”، و”الشبقية الإبادية”.
الأرقام المذكورة وغير المذكورة تنبئ بأننا كبشر غير صالحين لإدارة “أمنا الأرض”، استخلفنا الله فيها فأسأنا الهدف والغاية، أياً كان ديننا، فلا علاقة للدين بالمسألة، ولكن يستخدمه البشر لتبرير قتل بشر آخرين وتركيعهم.
هل سيأتي اليوم الذي نتمكن فيه، نحن جنس البشر، من التعايش بسلام، وقبول بعضنا بعضا بصرف النظر عن العرق واللغة والدين والمذهب والقبيلة والعادات والقيم؟
نحن كبشر فشلنا في اختبار الإنسانية، أو فلنقل إننا بدلاً من أن نعمّر الأرض، عثنا فيها فساداً وقتلاً وتدميراً بدءاً بأنفسنا ومروراً بالزرع وانتهاءً بالأرض، ولكننا نكابر ونزعم عكس ذلك. الطريق واضح، ولكن العيون لا تبصر ولا تريد أن تبصر. والمرعى خضر ولكن العنز مريضة.