في مقال تحليلي عن تباطؤ النمو في الصين وأوضاع سوق النفط في “فايننشال تايمز” إحدى أهم الجرائد المالية في العالم تكررت كلمة “محنة” أو عسر Distress سيصيب الدول المنتجة للنفط أكثر من مرة، ولا تظهر هناك أي بوادر بأن “محنة” بني نفط ستزول قريباً، بل ستستمر فترة طويلة حسب تحليل الجريدة.
أعتقد أن الجماعة هنا في الحكومة أو في مجلسها لا يرون رأي الجريدة، وربما لا يطالعون الصحف الأجنبية، ويكتفون بمتابعة ما يُكتَب في صحافتنا وتغريدات وكلمات وسائل التواصل الاجتماعي، حتى يمكن ملاحقة “المارقين” من الشباب عندما يتجاوزون مساحة “المسموح في قوانين اخرس”، ثم الزج بهم في السجون تحت بند جرائم أمن الدولة!
ما كُتِب في هذه الجريدة أو نُشِر في معظم وسائل الإعلام منذ أزمة تهاوي أسعار النفط يمثل أجراس إنذار تقرع بقوة لمن ينصت ويستوعب سواد الأيام المقبلة، سواء كان هذا كبيراً في سلطة الحكم، أو فرداً بسيطاً في هذا المجتمع الغارق بدوائر السأم والملل.
لكن يبدو أن الكل هنا يغني على ليلاه، فالسلطة سائرة بخطى الإنفاق والهدر لترضي الكبير بالمناقصات والعمولات الفلكية عبر صفقات رهيبة، لأنها تخشى من أن يؤشر عليها من البسطاء أصحاب الدخول المتوسطة والصغيرة، ويتذمرون من الحال لو بدأت بإصلاح حقيقي لمالية الدولة، لذلك فهي تؤثر سياسة التسكيت والاسترضاء الشعبوي، وتمضي بحكم عادتها في سياسة الجيب المفتوح، وهو جيب مشرع الأبواب على مصاريعها لأكبرها وأسمنها من الساكنين في الأدوار العليا، وينقط نقطاً قليلة لمن هم في الأدوار السفلى وسراديب الدولة.
وتظل هذه الاسطوانة الكويتية تدور على صوت النشاز ذاته من غير تغيير، سواء كان سعر البرميل مئة دولار أم أربعين. فوزير المالية يتحدث بخجل عن “عجز هيكلي” في مالية الدولة دون أن يتحدث عن حلول جذرية لأزمة الاقتصاد، وفي المقابل يفرد نواب الحكومة عضلاتهم الاقتصادية معبرين عن رفضهم لمقترحات صندوق النقد مرددين حكمة “أهل مكة أدرى بشعابها”، مع أنهم ليسوا من أهل مكة وليس بهذه الدولة شعاب… هم يرفضون وصفات صندوق النقد، ونبصم معهم بالرفض، لكن ماذا عن “روشتتهم” لعلاج السرطان الذي ينتشر الآن في الجسد الكويتي من فساد واتكالية وهدر مالي؟! لا شيء.
الحكومة صرحت في عدة مناسبات بأنها لن تمس دخول المواطنين رغم أن رئيس الحكومة حذر قبل أكثر من سنة تقريباً من الأيام الصعبة المقبلة، ودعا إلى شد الحزام، ثم حدث صمت ولم يتحدث أحد، بعدها، عن الحزام، ولا عن كروش النافذين الممتدة إلى الأمام، والتي لا يمكن أن يحيط بها أي حزام حكومي.
طبعاً كلمة مواطن تشمل الموظف العادي وأيضاً الموظف غير العادي الذي وظفت السلطة مقدراتنا بجيبه الخاص، والذي هو ومَن معه في حلقات الذكر يحيون بعقيدة ثابتة بأن هذه الدولة مؤقتة، وبالتالي هم يرفعون شعارات فيما بينهم تقول: خذوا ما اتخذ الآن وثبتوا وضع سلالاتكم المالية في البنوك الأجنبية… أما بقية المواطنين سكان الأدوار التحتية فلهم الله.
أما حكاية ذلك المتهم الذي “كوش” على عشرات الأراضي العقارية هنا (يمكن من كبت أمه) ومئات الملايين في بنوك سويسرية، فهو متهم غيابياً، من عشرات وربما من مئات غير متهمين بشيء، من سكان عمارة العمولات ويصعب أن يشملهم القانون لأسباب يعرفها الضالعون في العلم الخليجي…
أين تسير هذه الدولة؟ الله العالم!