في كل موسم حج، يحاول المسلمون أن يحققوا شيئًا من الوحدة والتآلف، لكن ذلك لا يتحقق ومع شديد الأسف، إلا بالقدر اليسير جدًّا الذي لا يرقى إلى مستوى الطموح، والذي، وهذا أنكى وأشد مرارةً، لا يتخطى مساحة البهرجات الإعلامية.
ولأنها مكة المكرمة، أقدس مدن الدنيا، فإن كل خطاب فيها يلزم أن يكون جامعًا لكل المسلمين بكل مذاهبهم وأطيافهم، ولعل هذا هو ما دار بيني وبين أحد الإخوة من (الدعاة) في أحد المكاتب حيث كان يجيب على أسئلة واستفسارات الحجاج، حتى أولئك الذين يلبسون لباس الشياطين والدواعش والحواليش والجواحش ممن يثيرون – حتى في أسئلتهم – ما يريدون لصقه في موسم الحج من طائفية وكراهية وأحقاد ودعوات لإحياء الجاهلية في نفوس الناس.
كان ذلك الحاج، أو هكذا نعتبره ويعتبر نفسه، وهو بالمناسبة عربي، يمشي ويدعو الله لهلاك طائفة من المسلمين… وحده كان يسير على الرصيف بلا مرافق فيما كان يرفع صوته بين حين وآخر بالدعاء؛ لأن يجفف الدم في عروق من يراهم في أسفل درجات الجحيم، ويرى نفسه في أعلى درجات الجنان… وأن يدمرهم الله سبحانه وتعالى بقدرته، ويقطع نسلهم ولا يبقي لهم باقية.
على أية حال، من الجميل جدًّا أن نجد من يصده من الدعاة الحقيقيين، الذين لا يفرقون بين مذهب وآخر وطائفة وأخرى لطالما هو يقوم بدوره في خدمة حجاج بيت الله، فذلك الشيخ الفضيل يجيب ببساطة بالقول: «هذا ومن هم على شاكلته… منا ومنكم… من هذه الطائفة أو تلك.. هؤلاء كلهم جراثيم مدمرة… ليس شأنهم أن يهدوا الناس، وأن يدعوا أنهم إنما يفعلون ذلك لكي يهدوا الناس إلى سواء السبيل، وهم أصلاً، وهذه وجهة نظر الداعية، في ضلال مبين، وأشد ضلالهم أن منهجهم المتشدد المتطرف ذاك قادهم إلى سفك الدماء بلا رحمة ولا هوادة ولا ارتباط بقيم وتعاليم الدين الإسلامي وسيرة نبي الأمة (ص) الذي أرسله الله رحمة للعالمين.
على أية حال، أمثال ذلك كثيرون دون شك، وأقصد الرجل الذي يثير الكراهية وهو مرتدٍ إحرام حجه، وكذلك، نتمنى أن يكون أمثال ذلك الداعية أيضًا كثيرون! لكنهم قلة مع شديد الأسف، فما يظهر للعيان في الديار المقدسة، أن ذوي الميول المتشددة والشراسة والتطرف والعيون الحمراء التي يتطاير منها الشرر هم الأكثر عددًا ونسبةً… بل إنهم لا يتورعون عن نهر الحجاج والصراخ عليهم ودفعهم بل وضربهم في بعض الأحيان.
قد لا يصدق البعض ما أقول، لكن مقاطع الفيديو المنتشرة في اليوتيوب وغيرها كثيرة، ولا أدري حقيقة، لماذا يستشيط أولئك غضبًا حينما يصلي الناس ركعتين خلف مقام إبراهيم (ع) في الكعبة، ولماذا يموتون من الغيظ عندما يجدون حاجًّا يبكي أمام قبر رسول الله (ص)، أو يحاول لمس جدار حجرة القبر؟ ولا أدري أصلاً لماذا هم أولئك هناك في تلك الأماكن التي يجب أن يتم اختيار أفضل الدعاة وأكثرهم تسامحًا وطيبًا وتعاملًا مع الناس؟
والأخطر من ذلك، هناك بالإضافة إلى التصنيف الطائفي، يدخل علينا التصنيف السياسي، فالبعض وفقًا لجنسية الحاج يتعامل إما بالحسنى وإما بالخشونة والصلافة؟ وللعلم، وقد طرحت هذا الكلام سابقًا، لا يمكن انكار حجم ونوعية الخدمات التي تقدمها وزارة الحج في المملكة العربية السعودية، والتي تظهر في كل البقاع المقدسة ويمكن رؤيتها بوضوح وأقلها مجاميع الكشافة من الشباب والناشئة الذين يخدمون الحجاج، لكن ما يغيظ فعلًا هو تلك الإساءات التي تظهر من (بني داعش) في التعامل مع خلق الله… يا جماعة، أليس لديكم دعاة ومشايخ أفضل من أهل التكفير والتشدد والتطرف؟ فهذه البقاع المقدسة ليست ملكًا لبلد أو شعب معين… هي لكل المسلمين، أيًّا تكن ملتهم وطائفتهم.
أتمنى من المسئولين في المملكة العربية السعودية أن يجتهدوا لإبعاد ذوي الوجه الصلف والكلام القاسي والأيدي الباطشة عن أماكن تواجد الحجاج والمعتمرين والزوار.