رحم الله أبا الطيب المتنبي حين قال:
عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ
بمَا مَضَى أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديدُ
أمّا الأحِبّةُ فالبَيْداءُ دونَهُمُ
فَلَيتَ دونَكَ بِيداً دونَهَا بِيدُ
يبدو أن مآسي العرب ممتدة منذ عهد المتنبي، وتمثل شعوراً عميقاً بالحزن لدرجة أنها تخطف حلاوة الأعياد والمناسبات السعيدة، وها هو عيد جديد يغمر العالم الإسلامي ومناسبة فضيلة ترتبط بأقدس المشاعر وفي أطهر بقاع الأرض وحول الكعبة المشرفة، فمآسي المسلمين في كل أنحاء المعمورة تسطرها وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي على مدار الساعة والدقيقة وتتنوع صورها السوداوية على شكل القتل وفنونه والدمار والتشريد واليتم والمرض والمجاعة والهجرة والغرق.
الضحية المستمرة في هذا السجل المحزن هي فلسطين المنسية وشعبها الصابر، ولكن القضية الفلسطينية تجاوزت مرحلة الضحية منذ فترة طويلة ليبدأ بعدها عهد الإهانة وضياع الكرامة، فبينما يستمر جنود الاحتلال الصهيوني في قتل الأطفال والبنات وهدم بيوت الفلسطينيين على رؤوسهم وحرق أهلها أحياء، بات الجيش الإسرائيلي يدنس حرم الأقصى الشريف وبطريقة مهينة ومستفزة لمشاعر مئات الملايين من المسلمين، دونما أي تردد أو وضع أي حساب للعرب قاطبة؛ لعلمهم المتيقن بأنهم باعوا القضية، حتى إنهم لا يفكرون بها أصلاً.
فالعرب باتوا يتوسلون نتنياهو عبر اتصالاتهم التلفونية أو إرسال مندوبيهم ومثقفيهم لبدء جسور التعاون وإظهار حسن النوايا، ولم يعد العرب يختلفون فيما بينهم في هذا الشأن، سواء كانوا ليبراليين أو إسلاميين أو جهاديين، وسواء كانوا في السلطة أو خارجها أو في تيارات وأحزاب سياسية أو شركات تجارية، في وطء مبادئهم وشعاراتهم وتاريخهم بأرجلهم زحفاً نحو رضا الصهاينة.
إن آخر طلقة رصاص عربية مشتركة ضد إسرائيل كانت عام 1973 أي قبل أربعة عقود، بينما ضربت إسرائيل خلال هذه المدة العراق وسورية ولبنان وتونس والسودان وغزة دون أن يهتز جفن لعموم العرب، في حين قتل العرب بعضهم بعضا في كل مكان على مدى نصف قرن من الزمن، بل وصلت الحال بأن يستنكر الأميركيون والأوروبيون سياسات التمييز العنصري والإبادة الجماعية وبناء المستوطنات اليهودية في عموم فلسطين، في حين اختفت حتى المظاهرات وبيانات الشجب من قاموس العرب.
مع كل عيد يضحي ملايين العرب والمسلمين بالخراف والبقر والإبل في يوم واحد في السنة، ولكنهم يضحون يومياً وطوال أيام السنة بالأطفال والنساء والشباب والعجائز في سورية والعراق وليبيا واليمن وتونس والكويت والسعودية، ناهيك عن أفغانستان وباكستان ومالي ونيجيريا والصومال وغيرها، في حين ترك الجميع الفلسطينيين ذبائح لليهود وتوزيع لحمهم على بقية العرب، بدءاً بزعمائهم مروراً بمشايخ الدين وانتهاءً بأولاد الشوارع في يوم عيد الأضحى المبارك!