هذه الحكومة مثلها، مع الإصلاح الاقتصادي، مثل المدمن على مخدر عندما يمنّي ويعد نفسه بأنه غداً سيحسم أمره ويمتنع عن التعاطي، وسيبدأ يوماً جديداً ويبني مستقبلاً سعيداً، وحين يأتي الغد يسوّف الأمر إلى يوم آخر، لأنه عاجز عن مواجهة ضعف إرادته وقلة عزيمته، ويعود مرة بعد مرة، وتسويف بعد تسويف، ليغرق في الوهم وبأحلام الكسل والخوف من مواجهة الواقع الصعب، حتى ينتهي أمره ويرحل عن الدنيا دون رجعة.
الفرق بين الحكومة والمدمن الحالم أن الأخير يضر نفسه ويهدم مستقبله ومستقبل من حوله فقط، لكن الحكومة هي السلطة التي تسود وتتحكم ولا أحد يستطيع أن يقترب منها، فرض عين على كل مواطن أن يتحملها، وحين تستمر في نهج التسويف والتأجيل إلى غد غير معلوم فهي تحرق مستقبل البلد كله وترمي بنا وبأبنائنا إلى المجهول.
لماذا تستدعي الحكومة خبراء صندوق النقد الدولي وهي لن تعمل بوصفاتهم آخر الأمر، ثم تعرض رأي خبراء الصندوق على أعضاء اللجنة المالية المستظلين بأرواح عمالقة الاقتصاد من كينز وميلتون فريدمان وهايك، حتى يصرح أحدهم (الجبري) بأنهم ناقشوا رأي الصندوق، مردداً كلاماً خاوياً بأن “أي معالجة يجب ألا تمس المواطن الكويتي وأن يستعاض عنها بحلول اقتصادية ناجعة”… “شلون وهل وكيف”… حلول اقتصادية دون الاقتراب من المواطن؟ مسألة غير مفهومة!
ومن هو المواطن، هل هو فقط الذي يأخذ غير الراتب الأساسي بدلات وكوادر مالية رهيبة من غير عمل وإنتاج جديين؟ أم هو المتنفذ الذي يضع يده أو يستأجر أراضي الدولة برخص التراب و”يتنفع” منها تجارياً ومن نهم الاستهلاك لشعب “اشتر”، ويدفع كهرباء وماء بسعر مدعوم وبرخص التراب؟ أم هو الموظف الذي يوقّع أو يبصم على سجل الدوام ثم يترك مكان عمله بعد ساعة ويجلس يثرثر مع أصدقائه في مقهي بشوبنج سنتر؟ أم هو المسؤول الكبير الذي ظل عقوداً في مكانه وظل “يهبر” من المال العام بمباركة وعلم مسؤولين أكبر ولا أحد يقترب منه، حتى جمع ملايين توفر الأمن المالي له ولأجياله من بعده، ثم فر هارباً إلى بلاد الضباب وترك بلداً يتنطع مسـؤولوه بعبارات مستهلكة مثل أن القانون فوق الجميع وأنه لا يفرق بين صغير وكبير!
لا خلاف على أن وصفات صندوق النقد كانت لعدد من الدول النامية وصفات مهلكة، وتمهِّد الأرض لهزات سياسية، لأن أهل الدخول الصغيرة هم من يدفع ثمنها الغالي، لكن هذا لا يعني أن نترك الجمل بما حمل، ونتعذر بالسبب السابق كي تظل أمورنا المالية معلقة إلى ما لا نهاية، فسياسة الدعم، يجب تقويمها دون أن تصيب أصحاب الدخول البسيطة أو الشرائح الدنيا، كما أن الضريبة واجبة لأنها الأداة المالية الأكثر فعالية للإصلاح الاقتصادي، لكن هذا طبعاً مشروط بانفتاح سياسي على الداخل وإطلاق حريات الأفراد حتى يمكن للناس أن يستوعبوا ويتقبلوا الإصلاح حين تكون عيون النواب الذين يمثلون الشعب حقيقة مفتوحة على مالية الدولة وعلى مزالق الفساد، أما الكلام عن وصفات صندوق النقد من ناحية، مع صفقات العمولات من ناحية أخرى، فهذا لا جدوى منه، والأفضل اليوم بدلاً من الحديث عن ترشيد أبواب الميزانية أن تفتحوا باباً في تلك الميزانية المثقوبة للعمولات وننتهي.