اختار القائمون على “تنظيم الدولة” شعاراً له طابع دعائي، وهو “باقية وتتمدد” للرد على من يقولون إن التنظيم قد انحسر، وسينتهي إن عاجلاً أم آجلاً، ولتأكيد أنهم كتنظيم باقون وسيصلون إلى مبتغاهم المعلن، وهو إقامة دولة الخلافة التي اتضح لنا بعض من ملامحها الواردة سلفاً في كتاب “إدارة التوحش”.
من يقرأ “إدارة التوحش” يكتشف أنه خليط بين الواقع والتمني، وبين الحقيقة والخيال، رؤية بعضها معاصر وبعضها لا علاقة له بالتاريخ، ويدل على أن من كتب ذلك لم يكن شخصاً واحداً، بل أكثر من شخص، وأن المخطوطة تعرضت للمراجعة عدة مرات، وتلك سمة سائدة في أغلب الكتب العقائدية المسيسة.
ثلاثة أسباب تجعل “داعش” واقفاً حتى الآن، وهي قدرات ذاتية من عسكريين محترفين سابقين، وتدفق مستمر للمتطوعين، وحواضن اجتماعية في مناطق تعاني فراغاً سياسياً وانتهاكاً لحقوق البشر، وأخيراً حالة تشتت وتناقض في الغايات لخصومها، لدرجة أن بعض من يعلن خصومته لـ”داعش” يقوم بدعمها على الأرض.
فخصوم “داعش” حتى هذه اللحظة لم يتفقوا على اسم له، سواء أكان ذلك باللغة العربية أو غيرها، فهو تارة “داعش” وتارة “تنظيم الدولة” وتارة “الدولة الإسلامية” وتارة “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، وتارة أخرى “الدولة الإسلامية في العراق وسورية”، وربما أسماء أخرى، وإن أردت شيئاً من الكوميديا العبثية فتابع فقط طريقة وسائل الإعلام في التعامل مع الاسم فقط.
بل نجد حتى الحكومة الأميركية من قمة رأسها إلى أخمص قدميها تعاني ارتباكاً في استخدام التسميات؛ فهي DAESH أو ISIS أو ISIL أو IS، فكيف يمكن محاربة مجموعة اسمها أصلاً غير متفق عليه؟ ذلك ليس إلا مؤشراً على كمّ التناقض بين الخصوم.
في الـ35 عاماً الأخيرة ظهر في أدبيات العلوم السياسية مصطلح “كيانات شبيهة بالدول”، وهي عندما تسيطر مجموعة مسلحة على رقعة جغرافية في بلدٍ ما متداخل جغرافياً، وتقيم سلطة لا تعترف بها المنظومة الدولية، ويوجد منها العشرات في الوقت الحاضر.
وقد اتضح أن أهم عنصر لبقاء مثل هذه التنظيمات هو وجود دعم إقليمي أو دولي، أو خلافات حادة بين دول الإقليم تجعل من المصلحة الإبقاء على تلك الكيانات، ويبدو أنه مازالت هناك أطراف إقليمية مستفيدة من وجود “ذلك الشيء” يضاف إليه وجود حواضن اجتماعية للتنظيم، وعلى الأخص في بعض المناطق العراقية أكثر بكثير من سورية.
سينتهي ذلك الشيء ولن يتمدد حالماً يستشعر الجميع أنه يمثل تهديداً حقيقياً لهم، ولكن حتى اللحظة فإن “داعش” أو الدولة أو التنظيم يحقق مصالح لأطراف فاعلة إقليمية ودولية، وحتى تنتهي تلك المصالح المشتركة وتتحول إلى تهديد حقيقي تستشعره الأطراف، فإن “ذلك الشيء” لن يبقى ولن يتمدد.