أحدهم نشر مقالاً تحت عنوان «حصحص الحق» يوم الخميس الماضي ونسبه لي. بدأه وختمه بآيات قرآنية وبنفس مؤيد لمتهمي خلية العبدلي والطائفة الشيعية. باختصار.. أنا لم أتدين ولم أتشيع بعد. لهذا فلست من كتب المقال ان كان ذلك يعني احداً.. وشكرا للمزيّف مرة، لانه اعطاني اهمية قد لا استحقها.. وشكراً مرة ثانية لانه لم يتقن التزييف.. والآن {بينت فيلكا}.
الذين غثتهم المقالات الاخيرة حول الشعور الوطني عليهم ان يتوقفوا عن قراءة هذا المقال، لانه «يبط الجبد»، خصوصا كبد من يتعيش على العصبية وتتحكم به العنجهية الدينية او العرقية.
يتظافر وطنيو ومحللو وعباقرة تويتر الى اطلاق صفة الخيانة الوطنية على متهمي خلية «العبدلي». وهي تهمة لم تطلق لا في السابق ولا في الحاضر على غيرهم. ولست هنا لمناقشة صحة التهمة من عدمها، ولكن لمناقشة الأساس الذي بنيت عليه. وسيكون ذلك صعبا نظريا، خصوصا لمن يفتقد العلم الاجتماعي والنفسي وأنا احدهم. لذا سألجأ الى حقائق تاريخية وتجارب وممارسات مضت. تشكل على ما اعتقد وسائل ايضاح سهلة لحل هذه المعضلة.
في عام 1958 اجتاحت دولة الوحدة في سوريا او عبدالحميد السراج لبنان. وتصدى الرئيس كميل شمعون ممثل الشرعية اللبنانية في ذلك الوقت لمشروع الضم السوري، واضطر بعد مناصرة اغلب سنة لبنان للسراج.. اضطر الى الاستعانة بالبحرية الاميركية، لتثبيت النظام والدفاع عن وحدة الاراضي اللبنانية. يومها اتهم الرئيس شمعون المدافع عن الشرعية والكيان اللبناني بالخيانة والاستعانة بالاجنبي، بينما اعتبر الطرف الآخر انفسهم قوميين ووحدويين يسعون الى تحقيق رفاهية وتقدم الشعب اللبناني.
لا شك في ان «الوطنية» هنا مصلحة وتعبير عن رؤية ووجهة نظر. وليس لها علاقة بالخيانة وانكار «الفضل» وبقية ما يعج به تويتر. ومن الصعب اتهام الرئيس شمعون بخيانة النظام او الدولة في لبنان، وهو الذي سعى للحفاظ عليهما. كذلك ليس من العدل اتهام مناضلي الوحدة ومناصري القومية العربية بخيانة الشعب اللبناني. اذا، المسألة في النهاية مصلحة ووجهة نظر وليس من حق احد، تبعا لهذا، ان يقسّم الناس الى خائن ووطني.
عندما اجتاح صدام حسين الكويت، وهو اجتياح شبيه الى حد ما بالاجتياح السوري للبنان وقف كل الكويتيين وبلا استثناء ضد الغزو. هذا يجعل من كل الكويتيين وطنيين. لكن دعوني اغث المغتث اكثر، ماذا لو كان الغازي غير صدام حسين؟!! او ماذا لو كانت الدولة الغازية غير العراق؟ هل سيجُمع الكويتيون جميعا، وبلا استثناء، كما حدث، على مقاومة الغزو.. ام انهم سينقسمون كما انقسم الشعب اللبناني الى مؤيد ومعارض؟!
هناك جواسيس وهناك عملاء وهناك مأجورون.. لكن ليس هناك خونة، فهؤلاء في الغالب تحركهم مصلحتهم الذاتية او وجهة نظر قد تصيب وقد تخطئ. وعلينا ان نبحث بجدية عن سبب خروج البعض عن «الصف الوطني» بدلا من كيل اتهامات الخيانة وانعدام الانتماء دون حساب.