على رصيف مدينة مانشستر، بدأت قصة «هاري بوتر»، الرواية التي باعت مايقارب 300 مليون نسخة، وترجمت إلى 67 لغة، وصنفت كأفضل سلسلة كتب بيعاً في التاريخ كله! ثم تحولت إلى سلسلة أفلام، فما سر نجاح كاتبة بدأت حروف روايتها وهي في القطار متجهة من مانشستر إلى لندن؟ هذه الكاتبة التي لم تؤلف كتاباً قبل ذلك قط، أصبحت أول مليارديرة في العالم. هذه ليست القصة الوحيدة لنجاح كتاب، بل هناك قصص عدة تستحق الاطلاع، فالكتاب اليوم أصبح من أنجح مصادر الثراء في العالم، وعالمنا العربي كذلك مليء بهذه القصص لكتّاب على الرصيف!
من هذه القصص، قصة نجاح مدونة (عايزة أتجوز) المصرية والتي تحولت إلى مسلسل وكتاب تُرجم إلى لغات عدة، حيث عالجت الكاتبة غادة عبدالعال قضية اجتماعية لامست الكثير وناقشت فيها شرائح المجتمع، هي ليست العنوسة، بل عدم توافر زوج مناسب لفتاة تسعى لحياة زوجية ناجحة ومستقرة. وكذلك لا ننسى النجاح الذي صاحب سلسلة مقالات الصحافية أماني ضرغام وزاويتها (يوميات زوجة مفروسة)، وكيف عرضت بشكل كوميدي بسيط يوميات الزوجة المصرية ومعاناتها مع زوجها، وتحولت هذه المقالات الى مسلسل تلفزيوني عرض في أكثر من قناة، ونال صدى واسعاً.
هذه قصص واقعية لكاتبات ناجحات، لم يملكن التراث الأدبي للنجاح الذي حققنه، لكنهن في النهاية نجحن بوصولهن إلى حاجات المجتمع ومناقشة قضاياه بأسلوب جريء، واقعي، وبسيط… وماذا يحتاج الناس غير ذلك !
يصف الأكاديمي السعودي الدكتور عبدالله الغذامي في كتابه (اليد واللسان) العرب بأنهم يقرأون، ومن قال ان أمة اقرأ لا تقرأ، لكن قراءاتها كمية لا كيفية، لذلك فكثير من كتبنا ومقروءاتنا لا تنمي الثقافة ولا تزيدها. ما يعني أن عدد النسخ المباعة لا يعكس قيمة الكتاب، وإنما يعكس مستوى المجتمع الثقافي، وهنا يطرح الغذامي مفهوم (رأسمالية الثقافية) التي تربط نجاح الكتب بعدد النسخ المباعة، لا بقيمة الكتاب نفسه. فعلى سبيل المثال، كتاب (لا تحزن) للشيخ عائض القرني بيع منه ما يقارب الثلاثة ملايين نسخة، لماذا؟، لأن الكتاب لامس شغاف القلوب الحزينة عند الشباب وحاجتها للخلاص من هذا (الحزن)، فوجد الشباب في هذا الكتاب حلاً لمشكلة الحزن. فهذا كاتب لامس حاجة الناس بذكاء وقدمها لهم على طبق من ذهب، وباع منه الذهب!
فهم النجاح على أنه الأكثر مبيعاً أو من خلال البيع على صورة أفلام أو مسلسلات لا يسمى نجاحاً ثقافياً ولا إضافة للمكتبة الأدبية، فالنجاح هذا نسبي يعكسه مستوى المجتمع الثقافي. بينما نجاح رواية مثل «هاري بوتر» وعالميتها أثبتت أن الرواية إضافة إلى مكتبة الطفل العالمية، والدليل تلك الجوائز الأدبية التي حاز عليها الكتاب.
إن الكتب التي تنجح في البيع عندنا لا نجدها قد نالت إعجاب النقاد أو حظيت بجوائز أدبية ذات وزن، حتى نقول إنها أضافت للمكتبة ثقافة جديدة. مُر على معرض الكتاب عندنا، تجد كتباً كثيرة لمؤلفين شباب يكتبون من على «الرصيف»! يرتجلون في الكتابة، ويتوقعون نجاحات مثل «هاري بوتر» أو مبيعات مثل «لا تحزن» ولا تحصل.
هذه النجاحات حدثت وفق ظروف يستحيل أن تتوافر لكل شخص، يسميها البعض فرصة. ابدأ بالصعب، ابدع واتعب على نفسك، وستجد أبواب النجاح مفتوحة، وتجنب الكتابة على الرصيف أو الكتابة المتعجلة لأن الصبر مفتاح… القلم!