لا نملك إلا أن نحيي الأخ وزير التربية الدكتور بدر العيسى على قراره الشجاع «بغلق خمس مدارس بمحافظة الجهراء، لكونها متهالكة، أي آيلة للسقوط»، فالبلد يعج بالعديد من الأوضاع المقلوبة والمؤسسات والمباني التي في حالة مأساوية، ولكن الأمر لا يعني الحكومة لا من قريب ولا من بعيد، والأمور متروكة على علتها إلى حين وقوع «كارثة» لا قدر الله، أو أن يتم تغيير حالها مصادفة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فهناك تواطؤ وشراكة من الفساد والتستر، الذي يتم من خلاله ترخيص عمارات وبنايات مخالفة لاشتراطات السلامة والأمن، ونراها ونمر عليها كل يوم، والبلدية تعرفها وتعلم عنها، و«الإطفاء» على علم بها وتراها، كما أن عمارات وبنايات أخرى تقام وتشيّد وليس لها مداخل ولا مخارج، بل لا مواقف سوى مواقف معدودة، وهي تحتاج لما يزيد على مئتي موقف! وكل منهما، البلدية والإطفاء، يتفرج ويخالف المباني الصحيحة ويبالغ في مراقبتها، ويغض الطرف عن تلك التي ستقع بسببها الكارثة، أو التي تمثل تحديا صارخا لأنظمة البناء والسلامة! لماذا الصمت؟ ألكونها عائدة لفلان أو علان؟! هل هناك من فرق في القانون؟! ولماذا تشويه البلد وتركه في مهب الريح؟!
مستشفيات، مبانيها نصفها مهجور، وفي حال متهالكة، تركت مقرا للقطط الضالة ومرتعا للأوبئة والأمراض! وبجوارها وحدات صحية حساسة فيها مختبرات أو غرفة عمليات أو غرف عناية مركزة، وغير مجهزة بصورة لائقة للرعاية الصحية، فالتكييف فيها عطلان معظم الأوقات، وحماماتها غير صالحة للاستخدام الأدمي! فما بالكم للمرضى واحتياجاتهم، وأثاثها في حالة رثة ومليء بالميكروبات، ونظام التعقيم عفوي ويعرض حياة الناس للكوارث! والمباني الفاخرة والمجهزة واللائقة فقط في الأماكن التي يرتادها الوزراء وكبار القوم بكل أسف!
ناهيك عن مخازن ومعارض وأسواق، بل ومصانع رخصت أو جدد ترخيصها في الشويخ الصناعية أو الري، وهي في وضع «مأساوي ومضر»، لكن جشع المالك والرشى أعمت الرقابة عنه، وفساد المراقب وتربحه غير المشروع جعلته يمر عليها من دون اكتراث! والجهات الحكومية الرقابية في سبات عميق عن قصد أو اهمال مفرط.
بل الكارثة الأخطر أن لدينا بعض المسؤولين في وزارات الدولة ومؤسساتها يقبعون خلف مكاتبهم، يديرون شؤون وزاراتهم ومؤسسات الدولة بخيوط عنكبوتية من الفساد والإفساد، فهذا يغير بالمخططات والتراخيص بمخالفات صارخة لأنه قبض الثمن! وذاك يوافق على حالات علاج للخارج من دون وجه حق ويرفض مستحقا ويتفلسف عليه، لأنه عيّن بمنصبه لأجل ذلك، وآخر يمنح عمالة غير مستحقة ويسمح لعمالة مخالفة بالبقاء والإقامة، لتربحه أو لفساده أخلاقيا، ولا رقيب يا وزارة الشؤون! وثالث يمنح بعثة دراسية دون توافر الشروط وبالمخالفة للأنظمة واللوائح، ولا أحد يبالي لمخالفاتهم التي تنتهك المال العام، وديوان المحاسبة «نائم» أو خدرته الواسطات الفاسدة.
معقولة في بلد مثل الكويت بدخلها الغني وأنظمتها القانونية الجيدة، وبنائها المؤسسي الذي تعبت الأجيال السابقة في إقامته، تستمر تلك المخالفات، ويعشش أولئك المسؤولون، وتتهالك فيها المباني، وتعرقل فيها المشاريع، ويتحكم فيها الفاسدون بأمزجتهم وأهوائهم المنحرفة؟! والحكومة «عمك أصمخ»، ولا خطوات شجاعة مثل قرار وزير التربية غلق مدارس الجهراء.. الشق عود يا حكومة.