ليس هناك أصعب من ان يشعر الإنسان أنه غريب في وطنه، غير مرحب به، وهو الذي ولد وتربى وعاش أجداده على ترابه لآلاف السنين.
الرجل الكبير، غريغوريوس الثالث، بطرك انطاكية وسائر المشرق والاسكندرية واورشليم للروم الملكيين الكاثوليك، الذي يتبعه الملايين، يشعر بذلك الشعور، وهو ابن هذه الأرض، أرض بلاد الشام، التي لم يعرف لا هو ولا آباؤه وأجداده غيرها وطنا، حيث يقول في بروتوكول صدر عنه قبل ايام، انه يكتب خواطره والدموع تملأ عينيه حزنا وغضبا أمام الهجرة المأساة التي يتعرض لها بنو وطنه، وانه يخاطب الدول العربية مناديا: واعرباه! بعد أن شاهد كيف أصبحت الهجرة تأكل الأخضر واليابس والمسلم والمسيحي. وكيف أصبح التكفير يغزو القلوب والمشاعر ويصبح حاضنة تمهّ.د الطريق لتقدُّم القتلة والمجرمين.
ويتساءل: هل تريدون أيُّها القادة العرب أن يُهاجر المسيحيون بنوعٍ خاص؟! وهل تريدون أن يُهاجر المواطنون المسالمون؟ وهل تريدون أن تقضوا على العيش المشترك الذي جمعَ طوائف المنطقة؟ وهل تريدون أن تخرّب سوريا وسواها، وتطول الهجرة الجميع؟
ويقول انه يتألم وهو يستعرض صور المسيحيين الأوروبيين في محطات القطارات في عواصم مختلفة، وهم يستقبلون النازحين بعبارات الترحيب، ويقبّلونهم، ويأتون بالأطنان من المعونات مجانًا! وهو يقول واعرباه! لا بل واإسلاماه! أنظروا هذا الذي يُنعت بالكافر كيف يستقبل أخاه في الإنسانيَّة بكرم ومحبَّة! واعرباه! إنكم أيُّها العرب تقيمون الحواجز على الحدود، وتغلقونها أمام البشر، وهم من قومكم ودينكم وأمّتكم، لا بل تصرفون المليارات ليقتل بعضكم بعضاً! واعرباه! ألا فاتعظوا يا إخوتي، قادةً ودولاً وشعوباً. ألم تسمعوا كلام الله، واجنحوا إلى السلم! واعلموا أنَّ العروبة هي شرف وأصالة وكرم وإباء.
إنَّني أرفع الدُّعاء لأجل عالمي العربي الذي أحبّه، لكي تستحقّ دوله وشعوبه وقادته، طوبى السيد يسوع المسيح في الإنجيل المقدَّس: «طوبى لفاعلي السلام فإنَّهم أبناء الله يُدعون».
ويقول البطرك: أنا هنا صدى لما كتبه أحمد الصراف في جريدة القبس،
2 ــ 9 ـــ2015، قائلاً: يا مسلمي الشرق تأسُّوا بمسيحييه. فنحن بحاجة الى أن نتأسّى بمسيحيي شرقنا، وأن نتعلم منهم شيئا من المحبة وكثيراً من التسامح. فقد سئمنا كراهية بعضنا لبعض، وكرهنا كل نداءات الذبح والحرق والهدم. وتعبنا من رؤية كل هذه الدماء. وآن لنا أن نعطي السلام فرصة والمحبَّة مساحة. حاو.لوا، ولو ليوم واحد، أن تتأسُّوا بمسيحيّ.يكم، فلن تخسروا شيئاً.
كما أنا صدى لما سبق أن كتبه نفس الكاتب في شهر يوليو 2014 متهكما بحزن: «ارحلوا أيها المسيحيون عن ديارنا، لأنَّنا نريد أن نعود إلى الصحارى! ولأنَّنا استبدلنا حضارتكم بفنّ. حفر قبورنا».
وأنا صدى لما قالته الدكتورة وفاء سلطان حول المسيحيين في سوريا: «هم ملحُنا، وسكَّرنا، وطحينُ خبزنا، وأزهار حدائقنا…».
لا أقول أو أكتب ذلك للمفاضلة والتكابر، وإنَّما أكتب لكي أدعو إخوتي العرب إلى التضامن والعيش المشترك والاحترام المتبادل، وإلى المحبَّة التي هي رباط الكمال.
والآن هل من يسمع نداء هذا الإنسان؟